متقدم

في رثاء عالم قطر الكبير وقاضي قضاتها وطني الحبيب: أحسن الله عزاءك

الحمد الله في السراء والضراء والحمد الله على ما أعطى وأخذ والصلاة والسلام على رسوله الأمين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

إنه في صباح يوم الخميس الثامن والعشرين من رمضان الكريم لعام ألف وأربعمائة وسبعة عشر من الهجرة النبوية الموافقه السادس من فبراير لعام ألف وتسعمائة وتسعين وسبعة ميلادية نعت وزارة الأوقاف بدولة قطر لأهل قطر والعالم الإسلامي وفاة العالم الجليل والمجتهد الفقيه قاضي القضاة وخطيب المسجد الكبير ورئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية فضيلة الشيخ عبد الله ابن زيد آل محمود الذي لبى نداء ربه في هذا اليوم الفضيل وفي هذه الأيام المباركة من العشر الأواخر في رمضان المبارك التي طالما أحياها فضيلته بصلاته وتلاوته للقرآن تهجده واعتكافه وإمامته للمسلمين سنين عديدة فنرجو أن تكون بإذن الله تعالى نورا له يسعى من بين يديه ومن خلفه في قبره.

رحل شيخنا الجليل ملبيا نداء ربه راضيا مرضيا إن شاء الله تعالى وكأني به يهتف بقول بلال: غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه بعد أن قضى وقته وعمره في طلب العلم الشريف وتعلمه والإفتاء بمقتضاة والقضاء والإصلاح بين الناس بهدية والتيسير عليهم مستندا إلى قوة الدليل من القرآن العظيم وهدي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بجرأة الأتقياء وشجاعة العلماء.

رحلت ياشيخنا وتركت ثلما في الدين ونقصا في العلم فإنما العلم يذهب بقبض العلماء وقد كنت نبراسا قويا يضيء بنور العلم في قطر والعالم الإسلامي يشهد على ذلك منهجك في الحياة وخطبك وأحاديثك ورسائلك وفتواك وأقضيتك التي تشع شجاعة وجرأة في الحق رحلت ياشيخنا الجليل وأجبت داعي السماء وتركت قطر أهلها على فراقك فهل بمثلك يا ابن زيد يجود الزمان علينا؟ وقد كنت الحصن الحصين لقطر وأهلها بمواقفك الشجاعة ونصائحك السديدة ضد الفساد على العباد من جراء أهل البدع والضلال.

فأنى بمثلك يا ابن زيد من علمائنا الأحياء ومشايخنا الفضلاء أن يقفوا مثل ما وقفت ضد الأخطار والمحن التي تنتاب مجتمعنا من كل حدب وصوب ما ينبئ بالخراب وفساد الشباب من الرجال والنساء.

هل يجود الزمان بمثلك يا ابن زيد وأنت العالم الجليل والعلامة المجتهد الفقية السلفي الحنبلي الذي أثبت أن مذهب الحنابلة هو من أكثر المذاهب مسايرة لحوادث الزمان بفتاواه المتميزة التي يشع منها روح الاجتهاد ونبذ التقليد المسايرة لروح التيسير والتسهيل الذي تميز به هذا الدين المقرونة بالأدلة والتعليل من القرآن والسنة لرفع الحرج عن المسلمين.

لقد أحزنتنا بفراقك يا شيخنا فنحن تتلمذنا على دروسك وخطبك وأحاديثك ورسائلك ومؤلفاتك وكتبك وسعدنا بعلمك الغزير وتراثك الوفير وإن لم يسعدنا الحظ بشرف لقائك والنهل من علمك الغزير مشافهة.

شيخنا الجليل: من حقك علينا وعلى أبنائك ووطنك أن يخلد ذكراك وحفظ علمك بمكتبة خاصة بك تحمل أسمك وتحوي علمك وتراثك فضيلتك وباقي علماء قطر الكرام رحمهم الله الذين رحلوا قبلك من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية ليقتدي بكم ويبقى أثركم على مر الزمان نبراسا يضيء للأجيال القادمة. ومرجعا يحفظ تراث الشيح ابن زيد وإخوانه العلماء ليعرف قدرهم بما قدموه من علم وخير وجهد لقطر وللعالم الإسلامي أجمع نرجو أن يكون بمثابة الصدقة الجارية في ميزان حسناتكم إلى يوم القيامة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم نافع ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ونرجو أن تكون يا شيخنا ممن جمعت هذه ثلاث بفضل من الله عز وجل ولا نزكي على الله أحدا.

شيخنا الجليل إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا لفراقك يا ابن زيد لمحزونون.

ولكن لا نملك إلا أن نرفع أكفنا إلى السماء مبتهلين للحي القيوم أن يتقبلك في الصالحين وأن يجعلك مع الشهداء والصديقين وأن يدخلك جنة النعيم مع الأبرار والمتقين اللهم آمين.

اللهم اغفر له وارحمة وعافه وأعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم أبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وقهِ فتنة القبر وعذاب النار.

اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثنا وشاهدنا وغائبنا.

اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.

انتهى