عندما يفقد الإنسان شخصا عزيزا لديه تكون الصدمة قاسية عليه فما بالنا وقد فقد الإسلام والمسلمون علَما من الأعلام النيرة في التاريخ الإسلامي المعاصر، ألا وهو فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر عن عمر يناهز التسعين عاما، وذلك يوم الخميس الثامن والعشرين من رمضان المبارك 1417هــ في مدينة الدوحة.
في الواقع أن الإنسان في هذه اللحظة يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره مهما ملكَ من قوة البيان وسلامة الأسلوب فيحزن القلم وتتجمد الكلمات وينعصر القلب، كان رحمه الله من أبناء الرعيل الأول الذي فضل مكاسب الآخرة في الدنيا كان صاحب قلب كبير قدوة في البذل والعطاء.
وُلد رحمه الله في حوطة بني تميم ورحل عنها وهو يافع في طلب العلم على أيدي عدد من العلماء منهم الشيخ عبد الملك بن إبراهيم والشيخ محمد بن إبراهيم وقد كون كل ذلك ثقافته الدينية الإسلامية وشكلت روحه ونفسه المجبولة على الإيمان والتقوى والصلاح وقد اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم ضمن عدد من العلماء للوعظ والتدريس في المسجد الحرام وفي عام 1359هــ قدم إلى مكة حاكم قطر الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني لأداء فريضة الحج وطلب من الملك عبد العزيز رحمه الله أحد القضاة ليتولى مهمة القضاء في قطر خلفا للشيخ محمد بن مانع وكان أن رشح فضيلة الشيخ عبد الله بن محمود لهذه المهمة واستمر بها إلى أن وصل إلى منصب رئيس المحاكم الشرعية في قطر.
ولقد عرف عنه في ممارسته لعمله وأحكامه التيسير على المسلمين ومعاونتهم كما عرف عنه القراءة المتعمقة والتبكير في الحضور إلى مقر العمل والاجتهاد في الإصلاح بن الخصوم وقد أصدر عددا من المؤلفات منها: الحكم الجامعة وعقيدة الإسلام والمسلمين وتحريم الربا بأنواعة والجهاد المشروع في الإسلام وكانت مؤلفاته إما تعالج المشاكل التي يواجهها المسلمون وتوضح لهم ما خفي عليهم من جوانب الدين والعبادات أو تزيل اللبس في العلوم الشرعية وما فيها من محاذير خطرة.
وقد كان ملتزما ملازما للمسجد ودأب على خدمة الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان متفردا في العديد من الأمور الطيبة النقية ولم يكن الرجل يرغب أن يذكر أحد أياديه البيضاء أو سجله الحافل لقد كان يستحي الله ويرجو دائما أن يكون عمله لوجه الله لا يقصد الظهور ويخاف الرياء كثيرة هي الأعمال التي أبلى فيها بلاء حسنا.
وفي هذا السياق أقولها " بكل صدق ": إن أي محلل أو معلق لا يستطيع أن يلقي كل الضوء على كل الجوانب القياضة لشخصية فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله إلا احتاج إلى صفحات وصفحات وبالنسبة لي لا أستطيع إلا أن أقول إنه كان يتمتع بعلم غزير وحكمة بالغة، وتواضع جم وأسلوب مشوق ممتع فعطاءاته يرحمه الله مسجلة في التاريخ بأحرف من نور يقر بها كل مسلم في أي بقعة من بقاع العالم العربي الإسلامي.
لقد كان يرحمه الله حريصا كل الحرص على دعم ومساندة الأعمال الخيرية التي يوليها جل اهتمامه تجسيدا لمبادئ ديننا الحنيف وما جُبل عليه يرحمه الله من حب لأعمال الخير والتي كانت تأخذ الكثير من وقته وجهده سواء في مكتبه برئاسة المحاكم الشرعية أو خارج العمل والذي يجب أن يكون لراحته حيث شغفه وحبه لأعمال الخير جعل أغلب وقته ينصب على ذلك وفي جميع مجالات الخير المختلفة لقد أكسبته هذه الصفحات الحميدة والشمائل العظيمة التي كان يتسم بها فضلا عن عمله الواسع الغزير وحكمته البالغة وتواضعه الجم أكسبته ملكة التبحر في العلوم الشرعية وتبسيطها وتقريبها إلى أذهان عامة المسلمين وساعدته على فهم القواعد والأحكام السليمة للشريعة الغراء وتعميق معاني الإيمان كما أكسبته تلك الصفات والخصال والشمائل محبة من عرفوه أو أخذوا عنه.
لقد نجح الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في جهوده المباركة والمثمرة لأنه القدوة الحسنة لغيره في السخاء والعطاء ولما كان يتمتع به رحمه الله من خلق فاضل وروح صافية في تعامله مع الناس صغيرهم وكبيرهم فهو محب للجميع لأنه كان يخصهم بلطفه لما يتسم به من حسن خلق جم كما كان يشارك الناس أفراحهم وأحزانهم وجميع المناسبات ويزور مرضاهم تجسيدا لمبادئ الشريعة الغراء التي جعلت من مجتمعنا جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائل الجسد بالسهر والحمى بالإضافة إلى البر والإحسان إلى ذوي رحمه ومن لجؤوا إليه كان بيته يعمر بكثير من الناس الذين يحنُّ عليهم بكل إشفاق.
إن هذا وبإيجاز بليغ تجسيدٌ لشخصية فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الذي كان محور اهتمامه هو بناء الإنسان المسلم دينا وعلما وعقلا وخلقا لقد عمل لآخرته فنعم عقبى الدار وها هو قد رحل عنا وليس أمامنا الآن إلا أن نقول ما لم نقدر على قوله في حياته رحمه الله إننا لا نقصد من وراء ذلك إلا الشهادة الطيبة بما رأينا وسمعنا وإنها شهادة حق نرجو أن يجعلها الله في موازين أعماله إننا نتمثل من وراء ذلك إبراز هذه القدوة الحسنة في سيرة هؤلاء الآباء الذين مضوا برضى وطيب عملوا مخلصين لا لشيء إلا لإرضاء ضمائرهم وإنارة الطريق أمام إخوانهم المسلمين والنصح والإرشاد لهم وإننا مهما قلنا عن الفقيد فلن تكون سوى نقطة بسيطة في بحر سجاياه وخصاله الكثيرة ومهما تحدثنا عنه فلن نذكر شيئا مما في النفس فإلى جنة الخلد يافضيلة الشيخ ونسأل الله العلي القدير أن يجعل ما قدمته لدينك ووطنك وأهلك في موازين حسناتك وأسكنك الله فسيح جناته لما قدمت إلينا من بر وخير ومحبة لقد مضيت بجسدك ولكن روحك وأعمالك الطيبة ستظل تعيش بيننا ستظل ذكراك في ذاكرة الشيوخ والرجال والنساء والأطفال وفي أغلب بقاع العالم الإسلامي.
وفي الختام لا يسعنا إلا ان ندعو الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة أن يلهم أهله وذوية الصبر والسلوان وحسن العزاء.
(إنا لله وإنا إليه راجعون) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انتهى