خرج الصحابة رضي الله عنهم من جزيرتهم والقرآن بأيديهم، يدعون الناس إليه، ويفتحون به ويسودون. فهو السبب الأعظم الذي نهضوا به، وفتحوا وسادوا وشادوا، وبلغوا المبالغ كلها من المجد والرقي، وتحولوا بهدايته من الفرقة والاختلاف، إلى الوحدة والإتلاف، ومن الجفاء والبداوة والهمجية، إلى الحضارة والعلم والمدنية، واستبدلوا بأرواحهم الجافية الجاهلية أرواحًا جديدة دينية، صَيَّرتهم إلى ما صاروا إليه من عز ومنعة ومجد وعلم وعرفان.
من كتاب "الحكم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ...
الناس بطريق الاختبار يتفاوتون في العلوم والأفهام وفي الغوص إلى استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام، فتأخذ العيون والآذان من الكلام على قدر العقول والأذهان، فيتحدث كل إنسان بما فهمه، حسب ما وصل إليه علمه، وعادم العلم لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه، فمن واجب الكاتب أن يبدي غوامض البحث ويكشف مشاكله، ويبين صحيحه وضعيفه مدعمًا بدليله وتعليله، حتى يكون جليًّا للعيان، وليس من شأنه أن يفهم من لا يريد أن يفهم كما قيل:
عليك في ...
في الحديث أن النبي ﷺ قال: قال الله عز وجل: «أَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ» [أخرجه أبو داود والترمذي]. فمعنى وصلته أي أوصلت إليه كل خير، ومعنى قطعته أي قطعت عنه كل خير. فالواصل موصول، والقاطع مقطوع.
ومُطعم الغُنم يوم الغُنم مطعمه
أنى توجه والـمحروم محروم
من كتاب "الحِكَم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
https://ibn-mahmoud.com/books/1764?index=1040
قال سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٧١﴾ [آل عمران: 71]
ولَبْس الحق بالباطل هو تغطيته به، بحيث يظهر الباطل في صورة الحق، فيظهر للناس باطله في صورة الحق وهو في الحقيقة باطل.
ومن لوازم هذا التدليس كتمانُ الحق وعدم بيانه، لأنه لو بينه للناس لعرفوا حقيقة بطلان قوله كله.
من رسالة "بطلان نكاح المتعة بمقتضى الدلائل من الكتاب والسنة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه ...
وكثرة الحلف الكاذب في البيع منفقة للسلعة، لكنها تمحق الكسب. نسمع من بعض الناس يقولون: الله يكره اليمين صادقة أو كاذبة. فإن الصادقة غير مكروهة ولا مذمومة، ولا يلام عليها من حلف بها. فإن اليمين شرعها الرب الحكيم لقطع النزاع والخصام، ولحفظ الدماء والأموال، كما شرع الله الصلاة والصيام. فالمؤمن يُخلص بها حقه من خصمه الجاحد لحقه، ويحق بها كلمة العذاب على الكاذب. وقد حلف عثمان بن عفان على مال له. وحلف ابن عمر، وحلف أشخاص من الصحابة على حقوق ...
عرض المزيدإن المكارم منوطة بالمكاره، وإن السعادة لا يُعبَر إليها إلا على جسر المشقة والتعب، وأخبر النبي ﷺ أن الأنبياء هم أشد الناس بلاء، فقال: «لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِن بَينَ يَومٍ وَلَيلَةٍ، وَمَا لِيَ وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ مَا وَارَى إِبِطُ بِلاَلٍ». [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].
من كتاب "الحِكَم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه ...
إن ثمرة الاستماع الاتباع، فكل من كان بينه وبين رحمه أو جاره شيء من الهجران والتقاطع، أو حلف بأن لا يكلمه، أو لا يسلم عليه، أو لا يأكل من طعامه، فإنه يجب عليه أن يعفو ويصفح احتسابًا للثواب، وخوفًا من العقاب، وأن يسلم عليه، ويجيب دعوته، ويأكل طعامه، ويكفر عن يمينه، حتى يسلم له دينه.
من كتاب "الحِكَم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
https://ibn-mahmoud.com/books/1764?index=1050
أما كفارة اليمين فكما أخبر الله عنها؛ بأنها إطعام عشرة مساكين من قوت البلد، لكل مسكين مُد من البر أو الأرز. وإن عشى عشرة مساكين من طعامه الذي يأكله، أجزأه ذلك، فإن الله سبحانه ذكر الإطعام ولم يشترط التملك.
وقد أجاز الإمام أبو حنيفة إخراج القيمة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا كان أنفع للفقراء. وتقدر القيمة الكافية في الإطعام في هذا الزمان، بستة ريالات لكل مسكين.
من كتاب "الحِكَم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن ...
أما اليمين المبتدعة، التي يجب اجتنابها فهي اليمين بالطلاق، الذي هو يمين الفُسّاق. تجد بعض الناس إذا حلف له خصمه بالله، قال له: ما أرضى حتى تحلف بالطلاق. واليمين بالله أعظم حرمة من اليمين بالطلاق؛ لأن اليمين بالطلاق معدودة من البدع، وحيث إنه كثر الوقوع من الناس فيه، فإنه لابد أن نتكلم عن الحكم فيه، فنقول: من حلف بالطلاق على إنسان أن يدخل بيته، أو أن يأكل ذبيحته، فأصر المحلوف عليه على الامتناع، فلم يدخل البيت، ولم يأكل الذبيحة، فإنه ...
عرض المزيدمتى صلح الاعتقاد صلح العمل، أو فسد الاعتقاد فسد العمل؛ لأن كل إناء ينضح بما فيه، وعادم الخير لا يعطيه، وكان حَلْفُ النبي ﷺ: «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» [رواه البخاري]، ويقول: «إِنَّ الْقَلْبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّبِّ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ».
من رسالة "الأمراء الـمسلطون"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
https://ibn-mahmoud.com/books/1820?index=1620
«إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ». وهذه الـمضغة التي عناها الرسول ﷺ لا يعني بها تلك اللحمة الـمركبة في الإنسان بما يسمونها القلب، وإنما يعني بها ما يشتمل عليه القلب من الإيمان واعتقاد التوحيد أو ضد ذلك من اعتقاد الكفر والإلحاد.
من رسالة "الأمراء الـمسلطون"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
https://ibn-mahmoud.com/books/1820?index=1620
فقد يكون العقل صحيحًا وهو الذي يعقل عن الله مراده؛ أمره ونهيه، أو لكونه يعقل صاحبه على المحافظة على الفرائض والفضائل ويردعه عن منكرات الأخلاق والرذائل، كما قيل:
والعقل في معنى العقال ولفظه
فالخير يعقل والسفاه يحُله
وقد يكون العقل سقيمًا أو معدومًا أشبه عقل البهائم، وهذا العقل كثيرًا ما ينفيه القرآن عن المشركين وعن التاركين للأوامر الدينية والمرتكبين للمحرمات الشرعية، كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ ...
﴿وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ٥٨﴾ [المائدة: 58]، فنفى الله عنهم العقل الصحيح بسخريتهم بالدين وهزؤهم بالمصلين، ثم عدم إجابتهم لنداء الصلاة الذي هو نداء بالفوز والنجاح بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، والنبي ﷺ قال: «من دُعيَ إلى الفلاح فلم يجب لم يُرِد خيرًا ولم يُرَد به خير» [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه].
من رسالة "الأمراء الـمسلطون"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
عرض المزيد
وإن مما ندرك على بعض أمراء العرب المسلمين في هذا الزمان وفي بعض البلدان، إظهار كراهيتهم للدين وعدم احتفالهم به ونفرتهم عن حمله، وقد عملوا عملهم وسعوا سعيهم في تقليل حصته من المدارس والجامعات إلى حالة أنهم لا يعتبرون الامتحان فيه ولا يحتفلون بحصة العلوم الشرعية ولا النجاح فيها كأنهم يحاولون إسقاطها من جملة العلوم المعتبرة، تمشيًا مع آراء الأساتذة القليلة حظهم من الدين، وإلا فمن المعلوم أن علم الدين يهذب الأخلاق، ويزيل الكفر والشقاق والنفاق. إن التهذيب على الدين ...
عرض المزيدفالعمل الصالح هو همة التقي، ولا يضره مع ذلك لو تعلقت جميع جوارحه بحب الدنيا، لأن الدنيا متاع يتمتع بها المؤمن إلى ما هو خير منها، فهو يحترف فيها بجوارحه، وقلبه متعلق بالعمل لآخرته يعمل في دنياه عملاً لا يضر بآخرته، ويعمل لآخرته عملاً لا يضر بدنياه، فمتى أدى واجب حق الله عليه، من صلاته وزكاته، وتزود من نوافل عباداته، فتح الله له أبواب الرزق، وسهل له أسباب الكسب، وسلك في قلبه القناعة والرضا، التي هي غاية في الغنى، فإن ...
عرض المزيدمن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فهو بعيد من الله، ولو سجد وركع، ومن شرب المسكرات قسا قلبه، وقل الحياء من وجهه وانتزع، ومن شهد شهادة لا يعلمها، أو كتم شهادة يعلمها، فكأن ما بينه وبين الله قد انقطع، ومن قتل مسلمًا، أو أعان على قتله، أعد الله له في جهنم أشر البقع، فما حيلتك أيها العاصي في ذلك المجمع، إذا تجلى الجبار واطلع، ونادى المنادي: يا أهل الموقف أجمع، أين من أغلق الباب وأسبل الحجاب وترك الصلوات، وشرب ...
عرض المزيدفيا عباد الله، قد غلب على النفوس الطمع فأهلكها، واستولت على القلوب كثرة الذنوب فسودتها، فأجلوا سوادها بالتوبة والاستغفار، والمحافظة على فرائض الليل والنهار، وأصلحوا فساد أعمالكم، يصلح الله أحوالكم، وصلوا أرحامكم يوسع الله في أرزاقكم، ويبارك لكم في أعماركم وأموالكم، وأحسنوا إلى ضعفائكم، يرفع الله في درجاتكم.
من كتاب "الحِكَم الجامعة"
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله
https://ibn-mahmoud.com/books/1764?index=1076
﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩٧﴾ [النحل: 97]. فوعد الله - ووعْدُه حق وصِدْق - كل من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى، بأن يحيا في الدنيا حياة سعيدة طيبة، يجد لذتها في نفسه، وتسري بالصحة والسرور على سائر جسمه، فيكون سعيدًا في حياته، سعيدًا بعد وفاته، فيحصل الحسنتين، ويفوز بالسعادتين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. ثم إن هذه الحياة الطيبة لا تُدرَك إلا بالأعمال الصالحة، ...
عرض المزيدإن العقلاء لا ينبغي لهم أن يغتروا بكثرة الأصوات في طلب ما هو محض الضرر عليهم في أخلاقهم، فإن كثرة الأصوات ليست بحجة في إباحة المحرمات مع قيام الدليل والبرهان على البطلان، ولأن كثرة الأصوات تنشأ غالبًا عن الهوى والحب للشيء. والله تعالى يقول: ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ١١٦﴾ [الأنعام: 116].
من "رسالة الخليج في منع الاختلاط"
الشيخ عبد الله ...
فالتكاتف على التمسك بالإسلام والعمل بشرائعه على التمام؛ هو الذي يوحد المسلمين، ويؤلف بين قلوبهم، ويصلح ذات بينهم، ويجعلهم مستعدين للنصر على عدوهم، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إن الله قد أعزكم بالإسلام، ومهما طلبتم العز في غيره يذلكم. وقد ذكر عباده المؤمنين في كتابه المبين بهذه الوحدة فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٠٢ وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: 102-103] فحبل الله الإسلام والعمل بالقرآن، ...
عرض المزيد