متقدم

من أعلام العصر

قليل وقليل جدا أولئك العلماء العاملون الأبرار المخلصون ولا سيما في عالمنا المعاصر الذي ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما: "تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة" (والراحلة هي الجمل النجيب أو الناقة النجيبة) فما أكثر أدعياء العلم في عصرنا هذا! وما أقل أن تجد فيهم راحلة!

وقد كان شيخنا العلامة فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (رحمة الله) هو من هؤلاء القلة النادرة الذين عناهم الشاعر بقوله:

عقم النساء فلا يلدن شبيهه - إن النساء بمثله عقم

لقد أبى رحمه الله إلا أن يكون عظيما:

عظيما في علمه وآثاره العلمية شاهدة بذلك.

عظيما في شجاعته في الحق وحكمه بين الناس بالعدل: فكان المظلوم عنده كبيرا مهما صغر حتى يأخذ الحق له والظالم عنده صغيرا مهما كبر حتى يأخذ الحق منه.

هكذا سمعت عنه (رحمه الله) فما جلست مجلسا ذكر فيه إلا وشهد له بذلك أهل المجلس بالإجماع

وكان عظيما في شغفه بكتاب الله تعالى حفظا وتلاوة، فكنت لا تكاد تراه في جامع الشيوخ يوم الجمعة أو في مكتبه برئاسة المحاكم إلا تاليا لكتاب الله وبين يديه بعض الحفظة يتابعون تلاوته في المصحف وهو يتدفق في قراءته كالسيل لا يتوقف.

كان رحمه الله قرآنيا وقد بلغ شغفه بالقرآن أنني زرته يوما في أواخر حياته وهو بمستشفى حمد غائبا عمن حوله من الناس قريبهم بعيدهم غيبوبة كاملة وبجواره على السرير الذي يرقد عليه تسجيل صوتي لقارئ وعندما دخلت لزيارته كان القارئ يقرأ سورة مريم وشيخنا (رحمه الله ) يتلقف الآية من فم القارئ فيسبقه بالنطق بها دون أن يخطئ أو يتلعثم فوقفت مشدوها أمام عظمة الرجل الذي غاب عن الوجود وعن الناس وكلام الناس وأقبل على ربه يتلو كلامه ويناجيه بقراءته في حفظ ووعي وقلت في نفسي: لله درك من مدبر عن الدنيا مقبل على الآخرة.

وما أحسن هذه العاقبة! وما أجمل هذه الخاتمة! فهنيئا لشيخنا تلك المنزلة التي تتضاءل أمامها الدنيا بما فيها ومن فيها وإنا لنرجو لشيخنا عند الله الفردوس الأعلى في جنات النعيم والسلام عليه ورحمة الله في الأولين وفي الآخرين.

انتهى