متقدم

ما أعرفه عن الشيخ ابن محمود

الحمد الله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين مدبر الخلائق أجميعن وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود من أسره لهم شرف وفضل حيث ثبت نسب آل محمود متصلا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كتب الشيخ عمر بن محمود ترجمة لوالده محمد قاضي الرياض في زمنه وذكر فضائل لآل محمود ولأبيهم محمود ووطنه وتنقل ذريته وأوصل نسبه المسلسل إلى الحسن بن علي وطبع تلك الترجمة في رسالة مفردة ومعها بعض المقالات والقصائد أما عبد الله بن زيد رحمه الله تعالى فقد ذكر شيئا من دراسته في مقدمة رسالته: (مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق) وذكر زمن توجهه إلى دولة قطر وهو من أهالي حوطة بني تميم ومن مشايخه شيخنا أبو حبيب عبد العزيز بن محمد الشثري والظاهر أنه قرأ عليه في الحوطة قرب عام 1340هــ وما بعده.

ثم بعد استقرار الشيخ أبي حبيب في الرين انتقل هناك الشيخ عبد الله وبقى عاما أو عامين وقرأ على فضيلة الشيخ عبد العزيز وهناك تزوج امرأة من أقاربنا آل جبرين ثم طلقها لما عزم على الرجوع إلى بلده وفي إقامته في الرين تولى إمامة بعض المساجد وتعليم الجهال حيث إن الأعراب هاجروا في حدود سنة 1335هــ ونزلوا في القرى ومنها الرين وسموها هجرة أي مواضع هجرة وكانوا جاهلين بالقرآن والعقيدة والأحكام ومع كثرتهم فإنهم يجتمعون عند المعلمين الذين هم أصغر منهم يتلقون مبادئ العلوم وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها وفروض الوضوء ونواقضه ونحو ذلك وقراءة الفاتحة وتعلم قصار السور وصفة الصلاة وفضلها وفضل النوافل وما إلى ذلك فكان الشيخ عبد الله بن زيد من القائمين على تعليمهم حتى فقهوا وتعلموا منه ومن غيره ما يلزمهم في الدين ثم كان بعضهم يعلم بعضا مما تلقوه عن الشيخ عبد الله معترفين بفضله وعلمه. وبعد أن استقر في قطر لم ينس شيخه فكان يكاتبه كثيرا ويفيده بما تجدد وما حدث ويعتبره من أفضل مشايخه.

وفي حدود سنة 1370هــ سافر الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الشثري- وهو ابن أخي الشيخ أبي الحبيب- إلى قطر وقرأ على الشيخ عبد الله بن زيد واستفاد منه في النحو والفرائض والأحكام وبقى هناك عاما أو أكثر ثم رجع معترفا بفضل شيخه عبد الله بن زيد وفي سنة 1375هــ ألف الشيخ عبد الله رسالته (يسر الإسلام) وطبعها وأرسل منها نسخا إلى مشايخ الرياض وقد أيده الشيخ أبو حبيب على ذلك وشجعه على مناظرة المشايخ الذين خالفوه في اختياره توسعة وقت الرمي وقد استدعي الشيخ عبد الله إلى الرياض وترأس الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى لمناظرته.

وجمع مشايخ البلد وطال الجدال والخصام بينهم وهو يظهر عليهم بحجته رغم كثرتهم ولما رأى شدة غضب سماحة المفتي الأكبر واستياءه من الإصرار وعدم الانصياع لقول الجمهور وآثرالموافقه لإرضائهم واشترطا عليه التراجع والرد على كتابه إذا رجع إلى قطر ولكنه كتب إليهم بعد ذلك عدم قناعته بقولهم وإن كان عليه الجماهير ورأى أن رجوعه ترك لما يعتقده صوابا وقد أرسل إلى شيخه عبد العزيز صورة من ذلك الخطاب الموجه إلى سماحة المفتي وسر بذلك شيخه أيد رأيه على ذلك.

ثم إن الشيخ عبد الله أطلع على رد للشيخ ابن حمدان على جواز نقل المقام وفي ذلك الرد تعرض للشيخ محمد المفتي الأكبر لأنه قرظ ذلك البحث فعمل الشيخ عبد الله ردا على ابن حمدان وأيد القول بنقل المقام وفي آخر رده تعرض لقوله الأول بتوسعة وقت الرمي وذكر زيادة في الأدلة ظهرت له.

ولما اختار مشايخ الإفتاء برئاسة سماحة المفتي العام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى جواز الرمي ليلا إلى الصباح رأى الشيخ عبد الله أن هذا رجوع إلى قوله الأول توسعة وقت الرمي وفرح بهذه الفتوى التي توافق ما قاله قبل أربعين عاما.

ثم إن الشيخ عبد الله استمر في الكتابة والتأليف وأصدر عدة رسائل مختلفة في مواضيع متعددة مطبوعة مشهورة ما يدل على تبحره وتوسعه في المعلومات وسعة اطلاعه. وقد اصدر مرة فتوى فيمن طلق ثلاثا بلفظ واحد فجعلها طلقة واحدة. ووافقه على ذلك شيخة أبو حبيب وعرضت فتواه على سماحة المفتي العام فخالفه وجعلها ثلاثا وقد أنكر عليه المشايخ في المملكة بعض اختياراته في كتبه كجعله مدينة جدة ميقاتا لغير أهلها لمن قدم في الطائرات أو في السيارات أو البواخير فأباح لهم تأخير الإحرام إلى جدة. وكذا إباحته الانتفاع بديار ثمود مدائن صالح وجواز السكنى فيها وحرثها واستغلالها.

وكذا رسالته في عدم الفرق بين الأنبياء والرسل وأن وظيفتهم واحدة وكذا إنكار لظهور المهدي المنتظر ولعله تبع في ذلك شيخه محمد بن مانع الذي أنكر ظهور المهدي في شرحه لمنظومة الفاريني في العقيدة وقد رد عليه الشيخ التويجري رحمه الله ردا شديدا وكم تمنينا ترك تلك الشدة ولعل عذره عدم معرفته السابقة بالشيخ عبد الله وعدم مجالسته وبحثه معه.

وكذا إنكاره لابتداء الكفار بالقتال وأن الجهاد إنما هو للدفاع ورده على الشيخ صالح بن سعد اللحيدان ظنا أن رسالة اللحيدان كانت تعقيبا لمقال له ومع ذلك فإن هذه المسائل من مواضع الاجتهاد.

أما معرفتي بفضلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود فقد كنت أسمع عنه قديما لكثرة ذكره عند شيخه أبي حبيب وكثرة مكاتبة كل منها للآخر رغم بعد المسافة بينهما وكنت أحيانا أتولى كتابة الخطاب الموجه مع شيخه إليه وأرى فيه علامة المحبة والألفة والرقة والشفقة ما يدل على توطيد المحبة بينهما لما في تلك الخطابات من التوصيات والتعليمات الشيقه التي تعبر عن صفاء المودة والإخاء والصداقة العريقة ثم حصل اللقاء بفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد مرارا كان مبدؤها لما أن جاء فضيلته رحمه الله إلى الرياض وقت مناظرة المشايخ له في رسالة (يسر الإسلام) فجلست معه مرارا وسمعته يتكلم بكلام عالم متمكن حتى إن شيخه أبا حبيب كان يسأله للاستفادة والتأكد ثم تكرر اللقاء به في الرياض والحوطة فهو يقدم كل عام غالبا ويقيم في بستان له في الحوطة نحو شهر وهناك نقوم بزيارته ونجلس معه ونجد في مجالسة البحث العلمي والمسائل والأجوبه المفيدة ونراه حريصا على تلقي طلبة العلم وتشجيعهم على مواصلة الطلب والإستفادة واستغلال الوقت في التلقي عن العلماء واغتنام الحياة والفراغ فيما هو مفيد وخير وعدم إضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيها فرحمه الله وأكرم مثواه والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

انتهى