متقدم
 

(إن اليهود هم اليهود اسمًا ورسمًا وليسوا بنى إسرائيل)

إن تسمية اليهود بإسرائيل يوقع الناس في خطأ كبير فيما يتعلق بالعقيدة مع مخالفة الحق والحقيقة وللكتاب والسنة، وذلك أن العوام وضَعَفَة العقول والأفهام حينما يسمعون القرآن يثني على بني إسرائيل وأن الله فضلهم على العالمين فيذهب فهم أحدهم إلى أنه يعني اليهود فيزول التمييز بين بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين وبين اليهود المغضوب عليهم في كتابه المبين، ثم أمر آخر وهو أن الناس حينما يرون ويسمعون بالجرائم التي يعملها اليهود فيهم فتراهم يلعنون إسرائيل لظنهم أنهم إسرائيل وخفي عليهم أن إسرائيل وضع إسماً لنبي الله يعقوب فيتوجه سبهم ولعنهم إلى هذا النبي الكريم والسبب يعمل عمل المباشرة في مثل هذا، كما في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ. قالوا: وَكيفَ يَشْتِمُ الرَّجل وَالِدَيهِ؟ قَال: نَعَم.. يَسبُّ أبا الرَّجلِ فيسبُّ أباهُ ويَسبُّ أُمَّهُ فيَسبُّ أُمَّهُ)، فمتى قال: لعن الله أباك، قال له الآخر: لعن الله أباك، فكأنه سب أباه بهذه الصفة، ومثله قوله - سبحانه: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ، فنهى الله عباده المؤمنين عن سبهم صنم المشركين الذي يعبدونه لأنهم إذا قالوا لهم: لعن الله ما تعبدون فيكون سبهم لصنمهم سبباً في سب الله فنهوا عن ذلك سداً لذريعة سب الإله الحق.

إن قلب الأسماء وإن لم تغير المسميات عن حقائقها، بحيث لا تجعل الحلال حراماً لكنها تعمل عملها في إزالة الإحساس الذي يحز في قلوب الناس، لأن الأفعال المنكرة والأقوال الباطلة متى كثر على القلب ورودها وتكرر على اللسان النطق بها فإنها تذهب وحشتها من القلوب شيئاً فشيئاً حتى لا يراها الناس أنها منكرات ولا يمر بفكر أحدهم أنها مخالفات، وذلك بسبب سلب القلوب نور التمييز والإنكار، وهذا هو حقيقة ما كنا نحاذره ونتقيه في مضرة قلب اسم اليهود بإسرائيل، فإنه بطول الزمان يزول بغض اليهود الذين هم أعداء الإسلام والمسلمين، يقول الله - سبحانه -: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ.

وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: (إنَّ النَّاسَ في آخِرِ الزَّمانِ يَشرَبون الخمرَ ويُسمُّونها بغيرِ اسمِها) فتجعل أكثر العوام يستبيحون تناولها بدون تأثر ولا تفكير في إنكارها، لكونهم قد انخدعوا وتأثروا بقلب إسمها، ومثله قلب اليهود باسم إسرائيل، فيترتب عليها من الغرور والخداع ما ذكرنا.

أما اليهود حين بعث الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهم كثيرون متفرقون في اليمن وخيبر والمدينة ومستذلون في سائر البلدان فدخل بعضهم في الإسلام طوعاً واختياراً فصاروا مسلمين، أما من اختار البقاء منهم على دينه وعقيدته فإنهم في ظلال الإسلام والمسلمين آمنين مطمئنين ويسمون أهل الذمّة لكونهم في ذمة الله وذمّة المسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين فيما يتعلق بأمور الحياة، فمن رامهم بسوء غَرِمَ وأَثمَ ولا يكرهون أحداً على الخروج عن دينهم إلا بطريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، لأن الله - سبحانه - يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ.

وقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ٩٩.

وهذا من سماحة الإسلام الذي جعل الأمم يدخلون فيه طائعين مختارين ولم يقاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يهود المدينة ويهود خيبر إلا لما نقضوا العهد الذي عقده رسول الله لهم وأعلنوا بحربه مع قريش والأحزاب، حين تحزبت القبائل على حرب الرسول وأصحابه عام الخندق وكان أكبر من حرضهم على نقض العهد هو كعب بن الأشرف، فقاتلهم رسول الله وأجلى بعضهم.

بخلاف ملوك النصارى وأكثر الأمم، فقد كانوا يكرهون الناس على الخروج عن عقائدهم في سبيل متابعتهم على دينهم ويقتلون الجماعات على ذلك.

فمن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في الجواب الصحيح في الوجه الثامن والعشرين من الجزء الثالث، فقال ما نصه: