(فصل)
إن الله - سبحانه - بعث نبيه محمداً رسولا إلى كافة البشر عربهم وعجمهم ومن لدن سماع الناس ببعثته وهم ممسكون بأقلامهم يؤرخون حياته منذ حملت به أمه ثم ولدته، ثم يذكرون رضاعه ونشأته، ثم بعثته وانتشار دعوته في الأقطار وغزواته وفتوح خلفائه وأصحابه للأمصار وانتشار دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ومع هذا كله فإنها لم تثبت جميع التواريخ الإسلامية وغير الإسلامية وجود طائفة في مشارق الأرض أو مغاربها تسمى إسرائيل أو تسمى بني إسرائيل.
لأن الله - سبحانه - قد قطعهم في الأرض فذابوا بين الأمم، فمنهم من التحق باليهود فكانوا يهوداً، ومنهم من اعتنق النصرانية فصاروا نصارى، ومنهم من اعتنق الصابئة فصاروا صابئين، حتى لم يبق لهم باقية معروفة بعد عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - وهو آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أحد من الأنبياء، فقد زال إسمهم بزوال ملكهم.
وكان بعض السلف يقول: إذا سمعت الله يقول: يا بني إسرائيل فإن بني إسرائيل قد مضوا وإنما يعني أنتم لكون الاعتبار في القرآن هو بعموم لفظه لا بخصوص سببه، وقد سيقت قصص بني إسرائيل وقصص الأنبياء مع أممهم للعظة والعبرة فهو يتمشى على حد: إياك أعني واسمعي يا جارة، وخير الناس من وعظ بغيره.
ولما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم – ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ١٨١﴾ قال: هذه لكم وقد مضى للقوم بين أيديكم مثلها، ثم قرأ ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ١٥٩﴾.