متقدم
 

الشريعة الإسلامية كفيلة بحلّ جميع مشاكل العالم ما حدث في هذا الزمان وما يحدث بعد أزمان

إن الله سبحانه أنزل كتابه المبين، وبعث نبيه الصادق الأمين بدين كامل وشرع شامل صالح لكل زمان ومكان، وقد نظم حياة الناس أحسن نظام بالعلم والعدل والمصلحة والحكمة والإحسان والإتقان، ﴿وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗا [الأنعام: 115]، أي صدقًا في الأقوال وعدلاً في الأحكام، فلا تقع مشكلة ذات أهمية إلا وفي الشريعة الإسلامية بيان حلها وصحيحها من فاسدها، كما أنه لا يأتي صاحب باطل بحجة باطلة إلا وفي الشريعة الإسلامية طريق حلها وبيان الهدى من الضلال فيها، وهو مبني على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.

وقد سمّاه الله: شفاء لسائر الشرور والأضرار، وإزالة الشبه والشكوك والأوهام، وحكمًا قسطًا في قطع النزاع والخصام ﴿قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًى [فصلت: 44].

ففي شريعة الإسلام حل كل ما يختصم فيه اثنان، مع ملاءمتها لكل بيئة وكل زمان ومكان.

لأن دين الإسلام هو دين البشرية كلها، عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم: ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا [الأعراف: 158]، وما كان هذا الدين ليتحمل أمانة رسالة البشرية كلها، إلا وهو يحمل في تعاليمه وأحكامه وقواعده وعقائده ما يجعله كفيلاً وحقيقًا بهذه التسمية، لينتهي بالناس إلى أن يكونوا آمنين على دينهم آمنين على أنفسهم آمنين على أهلهم وأعراضهم وأنسابهم.

فدين الإسلام هو الموصل بمن تمسك به واتبع هداه إلى سعادة الدنيا والآخرة رأسه الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله وبقية أركانه الزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام، وقد جعل الله هذه الأركان بمثابة الفرقان بين المسلمين والكفار والمتقين والفجّار، وبمثابة محَكِّ التمحيص لصحة الإيمان. بها يعرف صادق الإسلام من بين أهل الكفر والفسوق والعصيان؛ لأنه ليس الإسلام محض التسمي به باللسان والانتساب إليه بالعنوان، ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.

الإسلام دين السهولة والسماحة واليسر في الأحكام، ليس بحرج ولا أغلال ولا مقيّد عقل مسلم عن الحضارة والتوسع في التجارة المباحة والتفوّق في فنون الزراعة والصناعة، بل هو سبب النجاح وسلّم الفلاح إلى كل ما فيه صلاح لأمور الدنيا والآخرة، يمدح التاجر الصدوق الأمين ويجعله مع النبيين ويحث على الزرع والغرس والصناعة، ويقول: أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.

الإسلام دين السلام والأمان، دين العزّة والقوة والنظام، المطهر للعقول من خرافات البدع والضلال والأوهام.

دين العدل والمساواة في الحدود والحقوق والأحكام، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالطاعة، والإيمان شعار أهله المسلمين المؤمنين عباد الله.

دين يحترم الدماء والأموال ويقول: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»[1]، ويقول: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»[2]، أي بموجب الرضا التام، وفي محكم القرآن: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ [البقرة: 188].

دين يوجب على المؤمنين أن يكونوا في التعاطف والتلاطف كالإخوان، وفي التساعد والتعاضد كالبنيان، أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ [التوبة: 71].

دين من قام به ساد وسعدت به البلاد والعباد، ومن ضيعه سقط في الذل والفساد: ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩ ١٨ [الحج: 18].

دين صالح لكل زمان ومكان، قد نظم أمور الناس أحسن نظام، فلو أن الناس آمنوا بتعاليمه وانقادوا لحكمه وتنظيمه ووقفوا عند حدوده ومراسيمه، لصاروا به سعداء، ولما حصل بينهم بغي ولا طغيان ولا اعتداء؛ لأنه ﴿يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩ [الإسراء: 9].

وإنما ضعف المسلمون في هذه القرون الأخيرة، وساءت حالهم وانتقص الأعداء كثيرًا من بلدانهم، كله من أجل أنه ضعف عملهم بالإسلام، وساء اعتقادهم فيه، وصار فيهم منافقون يدعون إلى نبذه وإلى عدم التقيّد بحدوده وحكمه، ويدعون إلى تحكيم القوانين بدله، من أجل أن القوانين تبيح لهم الربا والزنا والخمور، فأخذوا يدعون الناس إلى ما يشتهون بأقوال خلابة خداعة، تجعل الماء في صورة النار، والنار في صورة الماء العذب الفرات، وسرعان ما انخدع بها العوام وتغيرت بها العقول والأفهام، وقد وصفهم رسول الله ﷺ بأنهم «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا»[3].

إن مدار شريعة الإسلام على حفظ الدين والأنفس والأموال والأعراض والعقول والأخلاق، فهي مبنية على المحافظة على الفرائض والفضائل واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل.

فشرع الجهاد في سبيل الله حتى لا تكون فتنة، أي حتى لا يفتن المسلم عن دينه لكون الفتنة في الدين أشد من القتل.

وشرع القصاص صيانة للأرواح وحقنًا للدماء حتى لا تسفك إلا بحقها.

وشرع قطع يد السارق صيانة للأموال، بحيث يستتب الأمن بين العباد والبلاد، وتزول عنهم المخاوف والأوجال، ولأن المضار الجزئية الفردية تغتفر في ضمن المصالح العمومية.

وشرع حد الخمر صيانة للعقول والأجسام عن عبث أم الخبائث بها.

وشرع حد الزنا والقذف صيانة للأعراض وحفظًا للأنساب، وأنزل الله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ [النور: 2].

وهذه الحدود إنما شرعت رحمة من الله لعباده، فهي تنزيل الحكيم العليم، شرعها من يعلم ما في ضمنها من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها من أسباب سعادتهم الدينية والدنيوية؛ لأنها تقلل فشو الشر والمنكر بين الناس، فهي صادرة عن رحمة من الله بعباده لإرادة صلاحهم، أشبه بتأديب الرجل ولده في سبيل منفعته ودفع مضرته، وأشبه بتجريح الطبيب للمريض في سبيل علاجه ومحاولة حصول صحته.

ومن المعلوم عند العقلاء أن المرّ كريه الطعم، ومتى كان حسن العاقبة صار حلوًا.

ففي إقامة الحدود محاربة للجرائم على اختلاف أنواعها للزجر عنها وتطهير المجتمع منها؛ لأن الله يَزع بالسلطان أعظم مما يَزع بالقرآن: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ [البقرة: 251].
وما الدين إلا أن تقام شريعة
وتأمن سبل بيننا وشعاب
وليعتبر المعتبر بالبلدان التي يحكم فيها بشريعة الإسلام وتقام فيها الحدود الشرعية والأحكام، يجدها آخذة بنصيب وافر من الأمن والإيمان والاطمئنان، سالمة من الزعازع والافتتان.

ثم لينظر إلى ضدها من البلدان التي قوضت منها خيام الإسلام، وعطلت فيها الحدود والشرائع والأحكام، كيف حال أهلها وما دخل عليهم من النقص والجهل والكفر والفساد في الأخلاق والعقائد والأعمال، حتى صاروا بمثابة البهائم يتهارجون في الطرقات لا يعرفون صيامًا ولا صلاة ولا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا ولا يمتنعون من قبيح ولا يهتدون إلى حق، قد ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ذلك لأن المنكرات على اختلاف أنواعها متى كثر على القلوب ورودها، وتكرر في الأعين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا، إلى أن يراها الناس فلا يرون أنها منكرات ولا يمر بفكر أحدهم أنها معاصٍ، وذلك بسبب سلب القلوب نور التمييز والإنكار على حد ما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس.

إن المستشرقين وملاحدة المسلمين قد شوّهوا سمعة الإسلام وألبسوه أثوابًا من الزور والبهتان والتدليس والكتمان، حيث وصفوه بأنه أغلال وأن شرائعه تكاليف شاقة، وأنه لا يتلاءم الحكم به في القرن العشرين، ونحو ذلك من الأباطيل الملفقة الناشئة عن الإلحاد والزندقة؛ لأن أكثر الناس في هذا الزمان قد اعتلت أديانهم واختل توازنهم وتمييزهم بتغلب الشهوات الطائشة على عقولهم فهم يقيمون من عقولهم الفاسدة آراء يعارضون بها أحكام الشريعة الإسلامية، من إقامة الحد على الزاني والسارق وشارب الخمر، ويرون أن السماح للشخص بالزنا وشرب الخمر، أنه من تمام تمتعه بكمال حريته، فلا يسوغ كبته عن مشتهياته. هذا رأيهم، ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ [المؤمنون: 71]، فإن الإسلام يحميه كما يحمي غيره من هذه الجرائم، رحمة منه به لمصلحته وصحته، فهو يريد حياته وهم يريدون موته، وإنما استثقلوا شريعة الإسلام لاشتمالها على الأوامر والنواهي والفرائض والحدود[4] والأحكام وسائر أمور الحلال والحرام وكالصلاة والصيام كما قيل:
ثقل الكتاب عليهم لمّا رأوا
تقييده بأوامر ونواهِ
ولا غرابة فإن هؤلاء قد تحللوا من عُقل الدين وحدوده وآدابه، فهم يفضلون الإباحة المطلقة على كل ما يقيّد الشهوة من عقل وأدب ودين، فهم يحبون أن يعيشوا في الدنيا عيشة البهائم، ليس عليهم أمر ولا نهي ولا حلال ولا حرام ولا صلاة ولا صيام، كما قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ ١٢ [محمد: 12].

* * *

[1] متفق عليه من حديث أبي بكرة. [2] أخرجه أحمد من حديث عم أبي حرة الرقاشي. [3] أخرجه أحمد من حديث حذيفة. [4] الحدود: هي الزواجر عن الجرائم، وإنما سمي حدًّا لكونه يحد صاحبه عن مواقعة مثله كما يحد غيره أي يحجزه عن مقارفة مثله، وخير الناس من وعظ بغيره؛ ولهذا وردت أحاديث كثيرة في فضل إقامة الحدود، كحديث «حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» رواه النسائي وابن ماجه والطبراني من حديث أبي المغيرة وابن عمر وابن عباس. وقال: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ»، وفي رواية «إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له» وكان أسامة بن زيد شفع في المرأة التي سرقت المتاع، فقال: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! وَاللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» أخرجه مسلم وأصحاب السنن من حديث عائشة. وقال لصفوان بن أمية لما شفع في الذي سرق رداءه: «هَلَّا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» أخرجه أصحاب السنن من حديث صفوان بن أمية. فالإسلام قائم على محاربة الجرائم بكل أنواعها وتقليلها وتطهير المجتمع منها؛ لأن الله سبحانه يَزعُ بالسلطان أعظم مما يَزَعُ بالقرآن ومن لا يكرم نفسه لا يُكرم ومن يهن الله فما له من مكرم. ومع الأمر بإقامة الحدود فإن الله يحب العفو والستر، ففي الحديث «ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وفي رواية «ادْفَعُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا».