[الحكمة من تخريب الدنيا يوم القيامة]
والحكمة في هدم الأبنية وتسيير الجبال ودك الأرض وشق السماء ونثر النجوم وتكوير الشمس وخسوف القمر وتخريب هذا العالم بأجمعه أن الله سبحانه لما بنى للناس دار الدنيا للسكنى بها والتمتع بخيراتها وجعلها وما فيها زينة للأبصار وعظة للاعتبار والاستدلال بها على وحدانيته وجميل صنعه بما يقتضى الإيمان به وإخلاص العبادة له. فلما انقضت مدة السكنى بها وحقت كلمة ربك على فنائها أجلاهم سبحانه منها وخربها لانتقالهم منها إلى غيرها. ﴿يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ ٤٨﴾ [إبراهيم: 48]. وأراد أن يعلمهم بأن في إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وتعريض ذلك الصنع العجيب للزوال كله بيان لكمال قدرته ودوام بقائه، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، وأن عنده سبحانه لعباده دارًا هي أسمى وأرقى وأجل وأجمل من دار الدنيا.
﴿يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ ٣٩﴾ [المؤمن: 39].
فسمى الله الدنيا متاعًا مأخوذًا من متاع المسافر، ﴿أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ٣٨﴾ [التوبة: 38].
فلا يجزع من الموت ويهوله الفزع من لقاء ربه إلا الذي لم يقدم عملاً صالحًا لآخرته ويقول: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ﴾ [الجاثية: 24].. فهذا ينتقل من خراب الدنيا إلى عذاب الآخرة.
ثم قال في صفحة (39) على قوله سبحانه: ﴿وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢﴾ [الذاريات: 22].
قال: وما توعدون أي يوم القيامة.. بالعذاب في السماء الدنيا.
قال: من الواضح أن النجوم مسخرات الآن لتوليد الطاقة الكونية الكبرى الهائلة التي تتجمع الآن في السماء لتلقى يوم القيامة في جهنم مع أجرام النجوم والكواكب التي ترمى وتنصب في جهنم وتكون وقودًا للنار فيها.
وقال في صفحة (57) على قوله سبحان: ﴿وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ﴾ [النحل: 12].
قال: والنجوم وتوابعها ممسوكة ومسخرة لتكوين حجارة جهنم.
قال: والنجوم كما هو معلوم كثرة هائلة من النار الموقدة المسخرة بأمر الله وكذا قوله: ﴿وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ﴾ [النحل: 12]. أي: لتوليد الطاقة الكبرى التي تتجمع في السماء لتلقى يوم القيامة في جهنم.
ويقول في صفحة: (11):
(وها نحن نوضح بما لا لبس فيه من أن النجوم مسخرات لتكوين حجارة جهنم وحرها وعذابها وهي مسخرة لتوليد الطاقة الكبرى الهائلة التي تتجمع وتنصب يوم القيامة داخل جهنم). انتهى كلامه.
وأقول: سبحان الله ما أجرأ هذا الكاتب على القول على الله وعلى تحريف كلام الله بلا علم بمجرد الرأي الذي ليس له مستند لا من القرآن ولا من السنة ولا من اللغة العربية ولا من قول أحد العلماء، وإنما يتكلم بفنون من الجنون في التفسير.
لكون ما يتكلم به هو من عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا هو: ﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾ [النمل: 65]. إذ ليس عندنا ما يدل على أن هذه النجوم مرصدة ومسخرة لتكوين طاقات العذاب يوم القيامة في نار جهنم.
ولا يعني القرآن بهذا التفسير في التسخير، بل هي من الجمادات التي يقول الله لها: كوني ترابًا. فتكون ترابًا وعند ذلك يقول الكافر: ﴿يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا ٤٠﴾ [النبأ: 40]. ولم يثبت ما يدل على أنها مسخرة كالصناع لتوليد طاقة العذاب لتكون وقودًا في نار جهنم.
وقد أخبر الله سبحانه عن تكوير الشمس وخسوف القمر وتناثر النجوم في عدة آيات من القرآن الحكيم.. كقوله سبحانه: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ ٣ وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ ٤ وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ ٥ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ ٦ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ ٧ وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨ بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ ٩ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ ١٠ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ ١١ وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ ١٢ وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ ١٣ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ ١٤﴾ [التكوير: 1-14]. وكذا قوله. ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ ١ وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ ٣ وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ ٤ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ ٥﴾ [الإنفطار: 1-5] وفي المرسلات. ﴿فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ ٨ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتۡ ٩ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ نُسِفَتۡ ١٠ وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتۡ ١١ لِأَيِّ يَوۡمٍ أُجِّلَتۡ ١٢ لِيَوۡمِ ٱلۡفَصۡلِ ١٣ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِ ١٤ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ ١٥﴾ [المرسلات: 8-15].
ولم يذكر سبحانه بأن هذه الكواكب من الشمس والقمر والنجوم بأنها مسخرة لتوليد أدوات العذاب في نار جهنم.. وما كان ربك نسيًّا.
قل فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين.. وقد قال سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
فأخبر سبحانه أن الناس من وقود النار كالحجارة وقال: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ٩٨﴾ [الأنبياء: 98] والحصب بفتحتين ما تحصب به النار أي: ترمى به وكل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به قاله في الصحاح.
والحق أن تسخير الشمس والقمر والكواكب، الذي عناه القرآن بقوله ﴿وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۢ بِأَمۡرِهِۦٓۗ﴾ [الأعراف: 54]. هو أن الشمس مسخرة بأمر الله ومخلوقة لمصالح العباد في الدنيا في حكمة الله وتسخيره لها، أنها تطلع على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها فتوزع ضوءها بينهم بنظام واعتدال لا يحول ولا يزول ولا يتبدل، فتطلع وتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي ليصيب نصيبه من مصلحة ضوئها.
ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة وقطرًا بعد قطر حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها من المشرق فيختلف بذلك الليل والنهار.
فلو كانت الشمس واقفة لا تتعدى مكانها لما وصل ضوؤها إلى كثير من الجهات وبذلك يسوء الزمن ويكون الليل دائمًا سرمدًا على من تطلع عليهم الشمس ويكون النهار سرمدًا دائمًا على من طلعت عليهم الشمس فيفسد بذلك نظام الدنيا.
ولذا ساقه سبحانه في معرض الامتنان به على عباده فقال سبحانه: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ٧١ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٧٢ وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ﴾ [القصص: 71-73].
أي في الليل ﴿وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ﴾ أي: في النهار ﴿وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٧٣﴾. فلولا غروب الشمس لكانت الأرض تحمي بداوم شروق الشمس عليها حتى يحترق كل ما عليها من حيوان ونبات.
وكذلك حكمته سبحانه في تسخير سير القمر كما قال سبحانه: ﴿وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٣٨ وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ ٣٩﴾ [يس: 38-39].
وقال سبحانه: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ﴾ [يونس: 5]. فسخر القمر في أن ينزل في الشهر ثماني وعشرين منزلة ينزل كل ليلة منها منزلة مرسومة لا يتخطاها ولا يقصر دونها ليعلم الناس بذلك حساب الشهر، وقالوا: إن القمر يقطع الفلك في كل شهر مرة.
ومثله في خلق النجوم وأن منها السيارات التي تطلع وتغيب على حسب سنة الله في تسخيرها، ومنها الثوابت التي لا تبرح مكانها مثل بنات نعش، والفرقدين وتسمى الحويجزين، والجدي التي لا تغيب عن أعين الناس لقربها من مركز خط الاستواء فصارت بمثابة الأعلام التي يهتدي بها الناس في الظلمات وفي الطرق المجهولة في البر والبحر فيهتدون بها حيث شاءوا، وهذا كله من حكمة خلق الله لهذه الأفلاك وتسخيرها بأمره، حكمة بالغة فما تغنى النذر.
وقد أعطاها سبحانه هذا النور كي يراها الناس مع بعد منازلها فيهتدون بها كما قال سبحانه: ﴿وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ ١٦﴾ [النحل: 16]. وقد اتفق علماء الهيئة المتقدمون والمتأخرون أن النجم أكبر من الدنيا، ويحسبه أكثر الناس صغيرًا في مناظرهم كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته
الذنب للطرف لا للنجم في الصغر
وقال الكاتب في صفحة (43) عند تفسيره لقوله سبحانه: ﴿وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ ١٦﴾ [النحل: 16].
(وقد اكتشفوا عام 1975 حقلاً نجميًّا بواسطة (معهد التكنولوجيا) في كاليفورنيا يبعد عن الشمس مائة ألف سنة ضوئية.
وقد اكتشفوا كذلك أنجمًا مع المجرات تنضم إلى تجمعات أكبر منها فيحتوي التجمع الواحد على عشرات التجمعات.. وقد احتسبوا عدد الشموس الفرادى التي تماثل شمسنا في نظام المجرة فوجدوها حوالي خمسة عشر ألف مليون شمس. وكانت الشموس التي تدور حول مركز المجرة تقدر بحوالي مائة مليون شمسٍ.
والشموس الفرادى في نظام التتابع تبلغ عشرين مليون شمس. ومن النجوم المزدوجة في المجرة نجم (الشعرى) اليمانية وهو يبعد عن الأرض تسع سنوات ضوئية ويفوق الشمس بسبع وعشرين مرة في لمعانه، وقالوا: إن درجة حرارة الشعرى تبلغ عشرة آلاف كما تبلغ سرعته خمسة كيلو، وقدرت كتلته بحوالي مائتين وخمسين ألف مرة قدر وزن الأرض.
وهناك نجم (القرينة) الذي يفوق الشمس لمعانًا بألف وخمسمائة شمس ويبعد عنا مائة سنة ضوئية.
والنجم (زحل) الجبار - يفوق ضوؤه ضوء الشمس بأربعين ألف شمس ويبعد عنا بثمان مائة سنة ضوئية). انتهى كلام الكاتب.
لهذه نماذج من أوضح تفسيره ويسير في بقيته على هذا النمط:
تخرصًا وأحاديثًا ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
ويظهر من كلامه أنه مقلد للبحاثين وعلماء الفلك ينقل عنهم كل ما يقولون، يلقط لفظهم كل ما لفظوا، ويتبع ظلهم أينما انبعثوا، والمقلد لا يعد من أهل الفن، وعلماء البحث في نظرياتهم يحققون الشيء ويؤكدونه ثم يعودون فينقضونه ويكذبونه دائمًا لكون نظرياتهم بعيدة عن التثبت واليقين وإنما يبنونها على الخرص والتخمين ﴿إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ ٣٢﴾ [الجاثية:32]. فقد يحقق الإنسان فيما يقلده عن غيره فيظنه حقًّا وكشفًا صحيحًا وهو لا حقيقة له في نفس الأمر والواقع.
ثم يقال: من حدثك عن هذه الشموس التي تبعد بخمسة عشر ألف مليون شمس والتي الواحدة منها تماثل شمسنا التي نشاهدها بأعيننا؟ ومن الذي حسبها وحصرها في هذا العدد؟ ومن الذي حدثك بالشموس التي تدور حول مركز المجرة، والتي تقدر بحوالي مائة ألف مليون شمسٍ؟ وهل هي نظريات خطؤها أكثر من صوابها؟.