متقدم
 

[الرد على ما جاء في تفسيره من مغالطات]

ولنعرض الآن على القراء الكرام نبذًا من مهمات تفسيره ليقابلوا بينها وبين تفسير علماء المسلمين حتى يعلموا بطريق اليقين بأنه ليس على شيء، وأن تفسيره بالخرافات والترهات أشبه منه بتفسير الآيات، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا.

قال الكاتب في صفحة (21، 19، 18، 17).

على قوله سبحانه: ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا [النمل: 61].

وقوله: ﴿ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗا [الرعد: 3].

وقوله: ﴿وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ [الأنبياء: 31].

قال: فالرواسي التي جعلت في الأرض هي جاذبية الأرض نفسها. قال: والشمس أكبر رواسي الأرض على الإطلاق فهي بجاذبيتها راسية للأرض أي مثبتة لها.

قال: فالشمس والقمر والكواكب تعتبر رواسي للأرض كيلا تميد.

وقال في صفحة (23):

وليست الجبال من الرواسي المجعولة في الأرض أو الملقاة فيها فهي جزء من الأرض نفسها. انتهى.

وأقول: إن هذا من فنون تفسيره الدال على جهله وعدم نصيبه من العلم والمعرفة ومخالفته للحق والحقيقة مخالفة غير خافية على أحد لاعتقاده أنه قد وضع ناموسًا للناس بتفسيره.

لأن هذا الكاتب لما حتم نفسه بأن يأتي بتفسير لم يسبقه إلى القول به أحد من المفسرين ولا من علماء المسلمين، اضطر أن يتقلب مع الأهواء وأن يخبط خبط العشواء، فيركب التعاسيف في التأويل ويورد من الأقوال ما يشهد العقل والنقل ببطلانه لكونه عاريًا عن الدليل، غارقًا في التبديل. ومن ديدن الحائر المبهوت أن يتمسك في استدلاله بما هو أوهى من سلك العنكبوت.

فتفسير الرواسي بالجبال هو من الأمر المستقر في نفوس العلماء والعوام والخاص والعام؛ لأنه من التفسير الذي يعرفه العرب بلغتهم ولا يعذر أحد بجهله، وقد كرر الله سبحانه ذكر رواسي الأرض في عدد من آيات القرآن الحكيم.

فقال سبحانه: ﴿وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ ٧ [ق: 7].

فتفسير الرواسي يظهر صريحًا من تلاوة الآيات إذ هو من التفسير الذي لا يقبل التغيير، لكون القرآن نزل بلسان عربي مبين يفسير بعضه بعضًا. فإن قوله سبحانه: ﴿وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ [الأنبياء: 31]. أي: لئلا تضطرب. لأن الميد هو الحركة والاضطراب، فالجبال راسية بنفسها ومرسية للأرض لئلا تتكفأ وتضطرب.

ولا تسمى السفينة راسية إلا إذا وقفت بمرساها في الميناء وأمسكت بأشطان الحبال لتقف ولا تتحرك.

يقول الله سبحانه: ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ [هود: 41] وقد سمى الله الجبال أوتادًا أخذًا من أوتاد الخيمة التي تثبتها في قوله سبحانه: ﴿ أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا ٦ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا ٧ [النبأ: 6-7].

لكون الجبال هي التي تثبت الأرض وترسيها لئلا تضطرب بالناس، ومن المعلوم بالمشاهدة والحس أنها متى أصيبت الأرض برجة أو زلزال فإن الناس يفزعون ويضطربون ويفرون عن منازلهم خوفًا من سقوطها عليهم، فمن رحمته أن ثبتها بالجبال كما تثبت الخيمة بالأوتاد والحبال. قال الشاعر: والبيت لا يبتنى إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد وفي جامع الترمذي وغيره من حديث أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ اللهُ الجِبَالَ، عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ».

وقد رأينا أرباب السفن متى كانت سفينة أحدهم خالية عن الحملان حمل عليها شيئًا من الحصى أو الرمل ليثبتها عن الاضطراب والميد، وكذلك الجبال في الأرض، ولا علاقة للشمس ولا للقمر في مرساها بل هو من التبديل وركوب التعاسيف في التأويل الزائغ عن سواء السبيل.

ومتى انقضى عمار الدنيا وأراد الله سبحانه فناءها وانتقال أهلها عنها إلى دار الآخرة يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار.

فعند ذلك يأمر الله سبحانه بقلع الجبال عن أماكنها كما يقلع المسافر أوتاد خيمته حين يريد الانتقال عن مكانه.

يقول الله سبحانه: ﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا ١٠٥ فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا ١٠٦ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا ١٠٧ [طه: 105-107].

وقال سبحانه: ﴿إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجّٗا ٤ وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا ٥ فَكَانَتۡ هَبَآءٗ مُّنۢبَثّٗا ٦ [الواقعة: 4-6].

وقال سبحانه: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٣ يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ ٤ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ ٥ [القارعة: 1-5].

وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٞ ٧ فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتۡ ٨ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتۡ ٩ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ نُسِفَتۡ ١٠ [المرسلات: 7-10].

فالقرآن يفسر بعضه بعضًا ويدل بمنطوقه ومفهومه على أنه متى انتهى عمار الدنيا وأراد الله عليها وعلى من فيها الفناء فعند ذلك يزيل الجبال من أماكنها فتضطرب الأرض وتتزلزل لتلقي الناس على ظهارها. ﴿زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢ [الحج: 1-2].

وقد وصف الله القيامة بأسماء وأوصاف متعددة متنوعة تدل بمعانيها على أنها شيء عظيم. فوصفها بالطامة الكبرى وبالصاخة وبالزلزلة والقارعة والواقعة.. فقال تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ١ لَيۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ ٢ خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ ٣ [الواقعة: 1-3] وقال: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ [القارعة: 1-3]. تعظيمًا لشأنها وكون ذلك يحصل بقارعة تقرع الأرض فترجها رجًّا وتبسها بسًّا ويكون هباءً منبثًا وكالفراش المبثوث فيكور بالشمس ويخسف بالقمر وتتناثر النجوم لبطلان ما ركبه الله من سنة إمساكها المقتضي إثباتها وقد بطل ذلك عند القضاء بفناء الدنيا وخراب العالم وعدم الاحتياج إلى شيء من ذلك.

وقال سبحانه: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ ٢ وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ ٣ وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ٤ [الإنشقاق: 1-4]. أي ألقت جميع ما على ظهرها من جبال وأناس وتخلت عنهم لكون الناس يحشرون على أرض بيضاء لم يعص الله عليها.