الحديث عن يأجوج ومأجوج
لقد أكثر الشيخ السفاريني في كتابه: لوامع الأنوار من أحاديث يأجوج ومأجوج على صفة ما عمله في أحاديث المهدي؛ لأنه حاطب ليل يجمع الغث والسمين، والصحيح والسقيم.
ونحن نسوق لك قليلاً من كثير من أحاديثه التي ذكرها، منها حديث: «أن منهم من طوله مائة وعشرون ذراعًا، ومنهم من طوله قدر شبر، ومنهم من يفترش شحمة أذنه ويلتحف بالأخرى» [186] وحديث: أنه لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من أولاده [187] وأحاديث تصفهم بصفة الإرهاب، وأن لهم أنيابًا كالسباع وقرونًا.
ونقل عن كعب الأحبار في صفة بدء خلقهم، وذلك أن آدم احتلم فاختلط ماؤه بالتراب، فخُلق منه يأجوج ومأجوج. قال: فهم إخوتنا لأبينا [188].
كل هذه وما هو أكثر منها، ذكرها السفاريني.
ويأجوج ومأجوج قد أخبر الله عنهم في كتابه مما لا شك فيهم، فقال سبحانه: ﴿قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الكهف: 94].
وقال: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ ٩٦ وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ﴾ [الأنبياء: 96-97].
فالمسلمون يصدقون في وجودهم بلا شك، ولكنهم لا يخوضون في أمرهم وفي مكان وجودهم، وفي صفة خلقهم، مع علمهم أنهم من نسل آدم، بل ومن ذرية نوح، وأوصافهم لا تنطبق على أوصاف الملائكة، ولا على أوصاف بني آدم، ولا يدرون كيف يخرجون على الناس، أينزلون عليهم من السماء أم ينبعون من الأرض؟ لعلمهم أن الناس قد اكتشفوا سطح الأرض كلها فلم يروهم، ولم يرو سدًّا، وتجرأ بعض الملاحدة على التكذيب بالقرآن من أجلهم، وقالوا: إن القرآن يذكر أشياء لا وجود لها!!
فبينما هم كذلك في غمرة من الجهل ساهون، إذ طلع عليهم نور هداية ودلالة يحمله علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله ويخبرهم عن حقيقة فتح يأجوج ومأجوج قائلاً: لا تبعدوا النظرة، ولا تسرحوا في الفكرة، فإن يأجوج ومأجوج عن أيمانكم، وعن شمائلكم، ومن خلفكم، فما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم والتي تداعى عليكم كتداعي الأكلة على قصعتها، وقد أقبلوا عليكم من كل حدب ينسلون، حين استدعاهم استنشاق رائحة البترول في بلدان العرب المسلمين، وهذا هو حقيقة الفتح لهم، والذي عناه النبي ﷺ كما في صحيح البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش قالت: خرج علينا النبي ﷺ فزعًا قد احمر وجهه، وهو يقول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ، وَمأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا» [189] وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، فقلنا: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ».
وكانت ابتداء حركتهم في ظهورهم على المسلمين من غزوة مؤتة، حين غزاهم المسلمون لدعوتهم إلى الإسلام، ثم صار ظهورهم يزداد عامًا بعد عام.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان أن النبي ﷺ قال: «يُوشِكُ أَنْ تَتَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَتِ الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» قالوا: يا رسول الله، أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: «لَا، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ مَهَابَةَ عَدُوِّكُمْ مِنْكُمْ، ويسكنكم مهابتهم، ويلقي فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ» قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ» [190].
ولما أخرج الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله رسالته في تحقيق أمر يأجوج ومأجوج على صفة ما ذكره في تفسيره واستنباطه، أنكر عليه بعض العلماء في ذلك، واتهموه بأنه يكذب بالقرآن، واستدعي للمحاكمة زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله.
فبرهن عن حقيقة رسالته، وأنها تصدق القرآن، وتزيل اللبس والشك عنه، وترد على الملحدين قولهم، وسوء اعتقادهم.
لهذا تبين للعلماء حسن قصده، وزال عن الناس ظلام الأوهام، وضلال أهل الزيغ والبهتان.
وصار لهذه الرسالة الأثر الكبير في إخماد نار الفتنة بيأجوج ومأجوج، حتى استقر في أذهان العلماء والعوام صحة ما قاله بمقتضى الدليل والبرهان، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا..
ونحن نسوق فقرات من رسالته للاتعاظ بها والانتفاع بعلمها...
* * *
[186] أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة: وقال الألباني في السلسلة الضعيفة: موضوع. [187] ذكره القرطبي في تفسيره من حديث علي موقوفًا. [188] ذكره القرطبي في تفسيره من حديث كعب الأحبار مقطوعًا. [189] أخرجه مسلم من حديث زينب بنت جحش. [190] أخرجه أبو داود من حديث ثوبان.