متقدم

فهرس الكتاب

 

حوادث الحرم الشريف من المدعين للمهدي

إن حادث الحرم الشريف الواقع من المارقين المنافقين في يوم الثلاثاء أول يوم من المحرم عام 1400هـ، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا، والذي من دخله كان آمنًا؛ فإنه ليس بأول حادث، فقد مضى للملحدين المهديين أمثالها، فرد الله كيدهم وبدد شملهم، وأعتق البيت الحرام من جورهم وفجورهم، وإنما سمي البيت العتيق؛ لأن الله يعتقه من ظلم الجبابرة فلا يكون لهم عليه من سبيل.

وقد أثبت التاريخ، كتاريخ المسعودي وغيره، عدوانًا مماثلاً لهذا العدوان على البيت الحرام، وذلك أنه حدث في موسم الحج عام 317 هجري: أن جاء إلى مكة باسم الحج رجل يدعى أبو طاهر الجنابي، ومعه تسعمائة رجل من أتباعه، وكان أبو طاهر هذا قد نشر الرعب والدمار في الجزيرة العربية وهو من القرامطة.

فدخل أبو طاهر هذا وأصحابه مكة في سابع ذي الحجة، وكان أميرها إذ ذاك محمد بن إسماعيل المقرون بابن مخلب، وقام أهل مكة والحجاج بمخادنة أبي طاهر في بادئ الأمر، ولكن القرامطة كانوا يبيتون أمرًا آخر، وهو مهادنة الأمراء والرؤساء والاحتكاك بهم حتى يتم لهم مقصودهم من المكر والكفر، فاحتكوا برجال الأمن وقتلوا واحدًا منهم، فبدأت الاشتباكات، فقاموا بإثارة فتنة عظيمة قتل فيها على ما يقوله المؤرخ المسعودي: نحو ثلاثين ألفًا من الحجاج وأهل مكة. وهجم على الحرم الشريف فخلع باب الكعبة، و كان مصفحًا بالذهب، وأخذ كل المحاريب والذهب التي كانت داخل الحرم، وقام بانتزاع الحجر الأسود من الكعبة، وجرد الكعبة من كسوتها، وأقام في مكة ستة أيام وهو يعبث فيها بالفساد والظلم، وسفك الدماء ونهب الأموال.

ثم سافر في طريقه إلى هجر والقطيف، يحمل الحجر الأسود وباب الكعبة وكسوتها، وما غنم من الأموال التي حملها على خمسين بعيرًا، واعترضت له قبيلة هذيل في المضائق والجبال فأخذت منه بعض ما غنمه، لكنه استطاع أن يهرب بعد ما فقد كثيرًا من غنائمه، وأقام كعبة جديدة للقرامطة بالقطيف، بمكان يسمى الجعبة، ووضع فيها الحجر الأسود، ثم رُدَّ الحجر إلى مكانه من الكعبة بعد موت أبي طاهر.

والشاهد من هذا الحديث: أن أبا طاهر الذي فعل في الحرم الشريف ما فعل كان يدعي بأنه المهدي المنتظر، نفس ما ادعى به جهيمان ومن معه، إذ الدنيا أم العبر والفتن، يرقق بعضها بعضًا، بحيث تكون الآخرة شرًّا من الأولى، لكنها لن تزيغ ولن تزعزع أهل الإيمان الثابت.

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ٣٠ نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ٣١ نُزُلٗا مِّنۡ غَفُورٖ رَّحِيمٖ ٣٢[فصلت: 30-32].

* * *