متقدم

فهرس الكتاب

 

تعدّد أحداث من يدّعي أنه المهدي

إن مدار الأعمال على العقائد صحة وفسادًا لحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»[171]. فمتى صح الاعتقاد صلح العمل، أو فسد الاعتقاد ساء العمل وساءت النتيجة.

ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح، والاعتقاد السيئ القبيح، وهي في الأصل حديث خرافة، يتلقفها واحد عن آخر، وقد صيغت لها الأحاديث المكذوبة سياسة للإرهاب والتخويف، حيث غزا بها قوم آخرين، وإلا فمن المعلوم قطعًا أن الرسول الكريم ﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨ [التوبة: 128] لذا فلن يفرض على أمته التصديق برجل من بني آدم، مجهول في عالم الغيب، ليس بملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به، ثم يترك أهله يتقاتلون على التصديق والتكذيب به إلى يوم القيامة.

إن هذا من المحال أن تأتي الشريعة به، إذ هو جرثومة فتنة دائمة، ومشكلة لم تحل، والرسول جاء بمحاربة الفتن، وقال: «أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ»[172]. وقال: «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»[173]. وقال: «لَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ»[174].

وقال: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ»[175]. والمهدي واعتقاده هو من محدثات الأمور.

إن أول من قال بالمهدي هو كيسان، مولى علي بن أبي طالب، في ابنه محمد ابن الحنفية. وجاء في كتاب أسد الغابة أنهم أطلقوا على علي: هاديًا مهديًا ثم أطلقوا الكلمة على الحسين بعد مقتله فقالوا: المهدي بن المهدي. ولما قتل الحسين ومات الحسن، رأت طائفة أنه من الطبيعي أن يرث عليًّا ابنه محمد ابن الحنفية، كما رأى غيرهم أن الوارث لعلي هما الحسن والحسين فقط، لأنهما وحدهما ابنا علي من فاطمة بنت الرسول ﷺ، أما ابن الحنفية فابن علي لكن لا من فاطمة بل من امرأة من بني حنيفة.

ونشأت فرقة تسمى الكيسانية، نسبة إلى كيسان يتزعمها عبد الله بن سبأ، ثم المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي زعم هو وفرقته أن محمد ابن الحنفية هو الإمام، وهو المهدي، وأنه لم يمت ولكنه تغيب في جبل رضوى، وهو في الحجاز على سبع مراحل من المدينة، وأنه حي يرزق، وعنده عينان نضاختان تجريان عسلاً وماء، وأنه سوف يرجع إلى الدنيا فيملؤها عدلاً، وأنه سيقود الجيوش فيرد الملك إلى أهل البيت، وفيه يقول كثير عزة وهو سبئي:
وسبط لا يذوق الموت حتى
يقود الجيش يقدمه اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانًا
برضوى عنده عسل وماء
ثم خرج السفياني زمن بني أمية فلقبوه: المهدي المنتظر.

ولما سمع المنصور العباسي بخبر المهدي، وكثرة حديث الناس فيه، أراد أن يقطع الطريق عن التسمي به؛ فسمى ابنه المهدي.

فاستغل الخليفة المنصور أخو مؤسس الدولة العباسية، شيوع كلمة المهدي فلقب ابنه بالمهدي، ودعا إليه على أنه المهدي المنتظر ليحيط الخلافة بالسلطان الدنيوي، والتقديس الديني، وجعله ولي عهده وكان ذلك في بغداد.

وفي المغرب تضخمت كلمة المهدي على أيدي البرابرة، وكانوا قد ضاقوا ذرعًا باستغلال الحكم العباسي لفكرة المهدي المنتظر، ثم ظهر عبيد الله الملقب بالمهدي، وأسس بلدة المهدية، وكان من نسله المعز لدين الله الفاطمي الذي فتح مصر.

ومن الدول التي تأسست على فكرة المهدي في المغرب: دولة الموحدين وزعيمهم محمد بن تومرت، وهو شيعي أيضًا، وعندما ذهب الموحدون والمرابطون وانتصر الأسبانيون على المسلمين، كان ملوك بني الأحمر يتطلعون إلى مهدي منتظر يقويهم على الأسبان ويطردهم منها.

وقد قامت الكثير من الثورات على أساس فكرة المهدي من ذلك: ثورة الزنج في العراق، وثورة القرامطة التي ظهر على رأسها رجل يدعى حمدان قرمط، وكلمة قرمط تعني (المعلم السري)، وكان أساس الدعوة: الإيمان بالمهدي المنتظر. ومن الفرق التي أسست على التشيع والاعتقاد بالمهدية: فرقة الحشاشين، ويسمون أحيانًا بالإسماعيلية، وزعيمهم الحسن بن الصباح المشهور، وهناك ثورة البساسيري، وهو رجل تركي، قدم بغداد في زمن الخليفة القائم بأمر الله العباسي، فبشر في بداية ثورته بالمهدي.

وفي العصور الحديثة لعبت فكرة المهدي دورًا خطيرًا لا يقل شأنه عن العصور القديمة.

ففي نهاية القرن الثاني عشر الهجري، خرج شيعي من مواليد الأحساء اسمه الشيخ أحمد الأحسائي سنة ست وستين ومائة وألف هجري، واشتهر بتبشيره بظهور المهدي، وله آراء باطنية وفلسفية تحوم حول تغيير نظام دين الإسلام وشريعته، ويدعي أن لديه علمًا لدنيًّا تلقاه عن آل البيت، وينشر دعوة سرية وينظم حركتها، ثم اقتفى أثره خليفته من بعده على نشر دعوته، وهو: كاظم الرشتي، ولم يزل متنقلاً داعيًا إلى أن توفي بجدة من أرض الحجاز سنة 1242هـ. فهو أول من أسس نحلة البهائية، ثم قام علي محمد بعد وفاة الرشتي سنة 1260هـ مدعيًا أنه نائب عن الإمام المنتظر، وأنه بابه الذي يفتح به ظهور الإمام، فسموا البابية من أجله، وهم فرع من البهائية.

ثم أظهر أنه الإمام المنتظر المهدي، فقام بثورة وأخذ يظهر للناس فنونًا من الكفر، وأن شريعته تنسخ شريعة القرآن، وأنها قد أنهت دور الشريعة المحمدية، فلا صلاة ولا صيام، ويعمد إلى النصوص القرآنية فيتأولها تأويلات الباطنية، فيقلب حقائقها، ويصرفها عن المعنى المراد منها، وأنكر عليه علماء فارس ما ادعاه وحاكموه، فحكمت عليه محكمة تبريز بقتله على ردته هو وأعوانه.

ثم ظهرت بدعة المهدي في الهند على يد رجل يدعى ميرزا غلام أحمد القادياني من سكنة قاديان بالهند، ونسبت طائفة القاديانية إليها، وتفرعت عنها الأحمدية.

وقد زعم مؤسسها ميرزا غلام أحمد بأنه المسيح المنتظر، فقام في وجهه علماء الشريعة بالهند، فأنكروا عليه أشد الإنكار وكادوا يقتلونه، لأنه كان يتقي بالنصارى، فهم يحمونه ويحاربون دونه.

وانتقل غلام أحمد إلى دلهي، يدعو إلى نحلته، ويدعي الوحي والنبوة والرسالة ويقول: إن كل من لم يصدق بنبوّتي فهو كافر!! ويقول: إن سائر الأمم من اليهود والنصارى والمجوس الذين كذبوا نبوة محمد سيؤمنون برسالتي!!

وفي الحقيقة أن كلتا الطائفتين: البهائية والقاديانبة قد ابتعدتا عن الإسلام تمام الابتعاد.

نسأل الله سبحانه أن يسلك في قلوب عباده المؤمنين نور اليقين والثبات على الدين، وأن يحفظهم من فتنة الضالين بما يحفظ به عباده الصالحين.

وإني أرجو بعد دراستهم لهذه الرسالة أن ينتبهوا ويتناصحوا، فيغسلوا قلوبهم من اعتقاد هذه الخرافة التي ستضرهم وتضر أبناءهم ومجتمعهم من بعدهم، والله خليفتي عليكم، وأستودع الله دينكم وأمانتكم وستذكرون ما أقول لكم.. ﴿وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٤٤ [المؤمن: 44].

* * *

[171] متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب. [172] أخرجه البيهقي في الكبرى من حديث عبد الله بن عمر. [173] أخرجه ابن ماجة من حديث العرباض بن سارية. [174] أخرجه مسلم من حديث جابر. [175] أخرجه أبو داود من حديث العرباض بن سارية.