متقدم

فهرس الكتاب

 

الحديث السادس:

روى أبو داود بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حران على مقدمة رجل يقال له: منصور، يوطئ أو يمكّن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله ﷺ، وجبت على كل مؤمن نصرته» أو قال: «إجابته».

فالجواب: إن هذا الحديث هو من جملة ما أورده أبو داود في سننه عن المهدي، وإنه يبعد كل البعد عن المعنى الذي أرادوا، فليس فيه ذكر للمهدي قطعًا لا باللفظ ولا بالمعنى، فليس هو بصحيح ولا بصريح ولا متواتر، وإن أمارات الكذب تلوح عليه جلية، إذ لا يوجب الرسول على أمته البيعة لرجل مجهول اسمه الحارث يخرج من وراء النهر، ويوطئ الملك لآل محمد.

فقد قال النبي ﷺ لقريش: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ عذاب اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَلِّبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي من مالي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»[162].

فليس من شأن الرسول، ولا من عمله، ولا من خلقه ودينه، أن يمهد الملك ويوطد البيعة لأهل بيته، ولو كان كذلك لقدم عليًّا على أبي بكر في البيعة، ولما قال: «يَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ»[163].

ولهذا قال الصحابة عند بيعته: رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ بل قال رسول الله ﷺ في حديث العرباض بن سارية الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن العرباض قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصِنا قال: «أُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ».

والنبي ﷺ قال لأهل بيته: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَرَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ»[164]. والأثرة: الاستئثار بالشيء عن الآخرين.

وقريش لم تمهد لآل محمد الملك، إنما قاتلهم عليه، فقد غزت قريش النبي ﷺ في عقر داره يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، وإنما بذلوا له الطاعة بعد فتح مكة، لأن الدنيا دار أنكاد وأكدار، ودار شرور وأضرار، وأشد الناس فيها بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، والآخرة عند ربك للمتقين.

[162] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [163] أخرجه مسلم من حديث عائشة بلفظ: «يأبى الله والمؤمنون» . [164] أخرجه البخاري ومسلم عن أسيد بن حضير.