متقدم

فهرس الكتاب

 

الحديث الثاني:

روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ واحد، لَبَعَثَ اللهُ رَجُلًا مِنَّا، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا».

ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم، ورواه الترمذي أيضًا.

والجواب: إن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة، وهي ليست بصريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه، إذ ليس فيها ذكر للمهدي.

وعلى فرض صحته، فإنه لا مانع من جعل هذا الرجل الذي يملأ الأرض عدلاً من حكام المسلمين الذين مضوا وانقضوا واستقام عليهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين.

فقوله: «منَّا» يحتمل أن يكون من أهل ديننا وملتنا، على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا يكاد أن يكون من المحال، فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر كما قال سبحانه: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢ [التغابن: 2] لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمصارعة لا تزال قائمة بين الحق والباطل، وبين المسلمين والكفار.

وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: «مَا أَنْتُمْ فِي الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ». وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «يَقُوْلُ اللهُ: يَا آدَمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّي وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائةٍ وَتِسْعَةٌ وتسعون فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ».

وعلى كل حال فإنه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي، ولا زمانه ولا مكانه ولا الإيمان به، ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين، وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين.

وهذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وليست بصريحة.