متقدم

فهرس الكتاب

 

الحديث الأول:

روى أبو داود في سننه عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً». ثم قال كلمة فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» فالجواب أن هذا الحديث يجعلونه رأسًا وأصلاً في أحاديث المهدي بحيث يستقي منه أهل السنة الذين يصدقون بصحة خروج المهدي، كما يستقي منه الشيعة حيث يرون أن إمامهم محمد بن الحسن العسكري هو الثاني عشر.

وبمقتضى التأمل لم نجد للمهدي ذكرًا في هذا الحديث، لا بمقتضى التصريح ولا التلميح، فالاستدلال به، على فرض صحته، غير موافق ولا مطابق، فإنه لا ذكر للمهدي فيه ولم يقل في الحديث: إن أحدهم المهدي. حتى يكون حجة.

وقد صار أمر المهدي وخروجه مشتركًا بين السنة والشيعة، وكل منهم استدل بهذا الحديث، وقد سماه العلامة ابن كثير في نهايته بالخليفة، وجعله بصف الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

وقد قال النبي ﷺ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً»[158]. وقد انتهت بوفاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

كما أن السفاريني سماه بالإمام وبالخاتم فقال:
منها الإمام الخاتم الفصيح
محمد المهدي والمسيح
ولا أدري من أين وجدوا بأن رسول الله قال في هؤلاء الأئمة إن أحدهم المهدي أو إنه الإمام أو الخليفة، وما هو إلا محض المبالغة في الغلو في القول بخروجه حتى أدخلوا هذا الاعتقاد في قلوب بعض العلماء، وأكثر العامة، وحتى أدرجوه في عقيدة أهل السنة والجماعة.

والحق أن حديث جابر بن سمرة في قول النبي ﷺ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً». ينبغي أن يحمل على الواقع الملموس والمشاهد بالأسماع والأبصار، وذلك في حمله على حكام المسلمين الذين كانوا في القرون الثلاثة المفضلة، والذين قام بهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية بن أبي سفيان ثم عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد ابن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك ثم يزيد بن الوليد، ومن بعده إلى مروان بن محمد، ثم انتقلت الإمامة إلى بني العباس ومنهم: المنصور، ثم ابنه المهدي، ثم هارون الرشيد إلى من بعدهم ممن استقام بهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، ومن بعد هؤلاء عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي.

فلا ينبغي أن نبخس هؤلاء حقهم، أو ننسى محاسنهم، أو نجحد عموم عدلهم الذي طبق مشارق الأرض ومغاربها، ثم نحمله على المهدي الذي لا يخرج بزعمهم إلا زمن عيسى ابن مريم، وهو مجهول في عالم الغيب.

ولا نقول: إن هؤلاء ليس فيهم عيوب ولا ذنوب، بل قد يوجد فيهم ما يعابون به كما قالوا في معاوية وقتاله لعلي، وكون علي أحق بهذا الأمر منه بشهادة رسول الله ﷺ حيث قال في الخوارج: «يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»[159]. وقد قاتلهم علي، وقال في عمار: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»[160]. وقد قتله أصحاب معاوية، وهذه كلها ذنوب خاضعة تحت عفو الله ومغفرته، إذ لا يلزم أن تحبط سائر عمله، وماضيه ومستقبله، والحسنات يذهبن السيئات، فقد حكم معاوية عشرين سنة، واستقام عليه أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين.

وقبله قد قاتل الزبير وطلحة في وقعة الجمل عليًّا رضي الله عنهم أجمعين، ومع هذا فقد قال علي رضي الله عنه: إني أرجو أن أكون أنا والزبير وطلحة من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٤٧ [الحجر: 47].

فمتى قلنا: إن الاثني عشر خليفة الذين استقام بهم الدين لن يخرجوا عن هؤلاء الأئمة الذين أعز الله بهم الدين، وجمع بهم شمل المسلمين لم نكن آثمين، بدلاً من أن نحيل أحدهم إلى تسميته بالمهدي، ثم نجعله خيالاً غيبيًّا يوجد في الأذهان دون الأعيان، إذ هذا من التخرص والظنون، والقول على الله وعلى رسوله بغير حق.

[158] أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سفينة. [159] أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري. [160] أخرجه مسلم من حديث أم سلمة.