متقدم
 

[الناس تجاه المعجزة قسمان: الماديون الطبيعيون والمؤمنون]

إن الناس في المعجزات وفي الأمور المغيبات على قسمين:

أحدهما: الماديون الطبيعيون، الذين ينكرون ويكذبون بكل ما لم يدركوه بحواسهم، فهم ينكرون وجود الرب، ويكذبون بالملائكة ويكذبون بالبعث بعد الموت، ويكذبون بالجنة والنار، ويبادرون إلى إنكار ما سمعوه من الخوارق والمعجزات التي لم يصلوا إلى حقيقة العلم بها، وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩ وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤٠ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيٓ‍ُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٤١ [يونس: 39-41].

فهذا دأبهم في جميع نظرياتهم العلمية، يكفرون بآيات الله ويكفرون ويكذبون بمعجزات الأنبياء، ولا يؤمنون بشيء منها يعتبرون مرتدين عن دين الإسلام، والمرتد شر من الكافر الأصلي، وقد كثر هذا الصنف في الأمصار التي أفسد التفرنج تربية أهلها بما يسمون بالمثقفين.
عُميُ العيون عموا عن كل فائدة
لأنهم كفروا بالله تقليدا
أما الصنف الثاني: فهم المؤمنون الذين يصدقون بكل ما أخبر الله به تصديقًا جازمًا ليس مشوبًا بشك ولا ريب، سواء أدركوا سر معرفة ذلك بعقولهم أو لم يدركوه. فهؤلاء هم المؤمنون حقًّا الذين آمنوا بالله تعالى وصدقوا المرسلين. وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥ [البقرة: 1-5].

والمعجزة، إنما كانت آية ومعجزة لوقوعها من فعل الله ليس للنبي ولا لغيره تصرف في صنعها أو كسبها. والحكمة في ذلك: أن مجرد قول الرسول لأمته: إن الله أرسلني إليكم. بدون أن يأتي بآية تصدق ما يقول فإن ذلك مما يقتضي عدم تصديقه ولا الإيمان به، لكنه متى أتى بآية ومعجزة ليست من صنعه ولا من كسبه ولا من الشيء المعتاد لغيره ويمتنع أن يأتي من يعارضه بمثلها دل هذا على صدقه وصحة نبوته. وسميت معجزة لكون الناس يعجزون عن معارضتها والإتيان بمثلها. وآيات الأنبياء هي علامات وبراهين من الله تتضمن إعلام الله لعباده بصدق رسله وما جاؤوا به من الحق.

وقد سماه الله تعالى برهانًا في قوله: ﴿فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ [القصص: 32] يعني العصا واليد. ومن المعجزات إخبار القرآن النازل على محمد عليه الصلاة والسلام بقصص الأنبياء مع أممهم، وبمعجزاتهم وخوارق العادات التي أيدهم الله بها، وتكرار القرآن لأخبارهم تارة بطريق البسط وتارة بطريق الاختصار غير المخل.

ولأن اليهود والنصارى قد بدلوا الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل وغيروها وأدخلوا فيها الشيء الكثير من الكذب على الله وعلى أنبيائه ورسله، يقول الله تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ ٧٩ [البقرة: 79] وكانوا يجيزون لعلمائهم القسيسين بأن يغيروا من شريعة الرب ما يشاؤون ويشتهون، لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى.