[تعريف المعجزة]
الآيات والمعجزات تعم كل خارق للعادات، وتسمى البراهين، وهي كاسمها معجزة لعجز الناس عن معارضتها والإتيان بمثلها، فمعجزات الأنبياء هي آياتهم وبراهينهم الدالة على صدق نبوتهم، نصبها الله علامة على صدق رسله والاستدعاء إلى الإيمان بهم وقبول دعوتهم، وأنها من صنع الله القادر على كل شيء والفعال لما يريد، ليست من صنع النبي ولا من كسبه. يقول الله: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [المؤمن: 78] فالعصا التي بيد نبي الله موسى هي عصًا مقطوعة من الشجر كعصا أحدنا في يده، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ ١٧ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مََٔارِبُ أُخۡرَىٰ ١٨﴾[طه:17-18] وإنما صارت آية ومعجزة حين أمره ربه أن يلقيها، ولهذا قال: ﴿قَالَ أَلۡقِهَا يَٰمُوسَىٰ ١٩ فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ ٢٠ قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ ٢١﴾ [طه: 19-21] أي عصًا معتادة كحالتها السابقة.
وإن المسلم متى آمن بالله القادر على كل شيء لم يعسر عليه التسليم والقبول لكل ما أخبر الله به من عجائب رسله ومعجزات خلقه، كخلق آدم من تراب ثم قال له: كن. فكان فصار بشرًا سويًّا، ثم خلق حواء من ضلع آدم، ثم خلق المسيح من أم بلا أب، وكذا سائر معجزات الأنبياء والأولياء كأهل الكهف الذين قص الله علينا خبرهم، إذ لا بد للرسل من المعجزات التي تعزز دينهم وتستدعي تصديق دعوتهم، فقد أتت الرسل بما تحار فيه العقول.
ولولا حكاية القرآن للمعجزات التي أيد الله بها موسى وعيسى وسليمان وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكذب الناس بهم وبمعجزاتهم وبالكتب النازلة عليهم، وأنه لا يمكن إثبات آيات الأنبياء السابقين إلا بثبوت نبوة محمد ﷺ والإيمان بالقرآن النازل عليه الذي أخبر الله فيه: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧﴾ [النمل: 76-77] وقال: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ ٣﴾ [يوسف: 3] وقال: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١١١﴾ [يوسف: 111] وقال: ﴿كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرٗا ٩٩ مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُۥ يَحۡمِلُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وِزۡرًا ١٠٠﴾ [طه: 99-100].
إن من آيات الله ما يجري على حسب السنن المطردة في الخلق والتكوين، ومنها ما يجري على خلاف السنن المعروفة للبشر، مما يدل على قدرة الباري عز وجل وأن الله سبحانه خرق العادات في خلقه: ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢﴾ [يس: 82] فقد أتت الرسل بما تحار فيه العقول.