مقَدّمة إلى العلماء المحترمين وإلى الشباب المثقفين وإلى الناس أجمعين
أما بعد:
فإن هذه الرسالة النفيسة تبحث عن مسألة عويصة قد اضطرب الناس في حقيقتها والأجوبة عليها، وهي مسألة القدر وما وقع فيها من اضطراب البشر، وأن العلم الصحيح المستند إلى النصوص النقلية والعقلية هو أعظم نافع وأقوى رادع لما يعرض للإنسان في حياته من فتن الشبهات والتشكيكات التي يثيرها أهل الجدل من الملاحدة والقدرية، مما يزيغ الأذهان ويوقع في الافتتان، وخاصة العوام وضعفة العقول والأفهام، بل قد تزيغ المسلم عن معتقده الصحيح، ثم تقوده إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل.
فمتى لم يرسخ في قلب الإنسان معرفة الحق بدليله، ويميز بين صحيحه وعليله، مما يتعلق بعقائد الدين وما يدعمها من الحجج والبراهين، فإنه سيصاب بالارتباك والخجل وعقدة الوجوم والوجل عند أول ملاقاة لأهل الجدل، فيبقى صريعًا لجهلهم قد استحوذ عليه باطلهم لعدم وجود ما يصول به ويجول من علم اليقين والبصيرة في الدين، إذ العلم الصحيح سلاح الدنيا والدين وصلاح المخلوقين به تستنير البصيرة وتقوى الحجة.
وإن مما ندركه على بعض الشباب المثقفين المتخرجين، وعلى بعض علماء المسلمين، كون أحدهم متى ظفر برسالة هامة تكشف له الإشكالات وتزيل عن قلبه الشكوك والشبهات، وهي صغيرة الحجم غزيرة العلم بحيث يستطيع دراستها في مجلس واحد بدون مشقة ولا عناء، فيكون حظه منها هو النظر منه إلى عنوانها وعسى أن ينشط لدراسة الوجه الأول والثاني منها ثم يصفق بأجنحتها[1] بعضها على بعض ثم يضعها في سلة المهملات، وذاك آخر العهد بها، فيعود جهد صاحبها ضياعًا وعلمه عيالاً، أشبه من يزف امرأة حسناء إلى عنين أو كالمطر الوابل في الأرض السبخة
[2]، لكونه لا قيمة للعلم عنده.
فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي
فقيمة كل الناس ما يحسنونه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ
عبد الله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية
[1] أي يطويها، كأنه طائر يصفق بجناحيه. [2] هي الأرض المالحة، ولا تنبت إلاَّ قليلاً.