(87) نموذج ثانٍ للخطبة الأخيرة
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، له ملك السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الملك الحق المبين، الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، أحمده سبحانه حمد أولي البصائر والنهى، وأشهد أن لا إله إلا الله عالم السر والنجوى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى كافة التقوى، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى، وسلم تسيلمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقى، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، فقد طال إعراضكم عن النبأ العظيم تغافلاً وجهلاً، وكثر اشتغالكم بالعرض الفاني الأدنى، فصار إقبالكم على ما يصد عن الصراط السوي والهدى، أما أيقظكم ما رأيتموه من حوادث القدر والقضاء؟! أما وعظكم ما سمعتموه من أخبار من كذب وعصى وترك عبادة ربه وبخل بما آتاه الله من فضله ولم يرد إلا الحياة الدنيا؟! كيف وجدوا عقوبات الذنوب؟ وكيف الحال بمن بغى وطغى؟ بلغتهم دعوة الرسل فلم يجيبوا، ورفعت إليهم المواعظ فلم يلتفتوا ولم ينيبوا، فجاءهم أمر الله بغتة، فأصيبوا. ﴿هَلۡ تُحِسُّ مِنۡهُم مِّنۡ أَحَدٍ أَوۡ تَسۡمَعُ لَهُمۡ رِكۡزَۢا﴾ [مريم: 9]. ﴿فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٥٢﴾ [النمل: 52]. فاحذروا أن تكونوا أمثالهم فيصيبكم ما أصابهم فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
فانتبهوا من غفلتكم، وتوبوا من زللكم، وحافظوا عل فرائض ربكم، ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].
﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
و﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠ وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٨١ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٨٢﴾ [الصافات: 180-182].