(84) المسارعة إلى الخيرات قبل الفوات
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة، وتفيض الخيرات، وتنزل البركات.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا نبيه ورسوله، اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد قال الله سبحانه: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦﴾ [آلعمران: 134-136].
فأمر الله عباده بأن يبادروا ويسارعوا إلى الأعمال التي تؤهلهم للمغفرة والرحمة، والفوز بالجنة، كما مضى قبلهم للأنبياء والأولياء أمثالها، فقال تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].
وكما وصف الله عباده الصالحين، فقال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠ أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ ٦١﴾ [المؤمنون: 60-61].
وقد سألت عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، فقالت: يا رسول الله، أهم الذين يسرقون ويزنون. قال: «لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَيَخَافُوْنَ أَلَّا يقبل مِنْهُمْ»[423]. أولئك الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة؛ لأن المؤمن هو من جمع إحسانًا وإشفاقًا، والمنافق هو من جمع إساءة وأمنًا. ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩٩﴾ [الأعراف: 99].
فالمسارعة إلى وسائل المغفرة والرحمة، والفوز بالجنة، هي بمعنى المسابقة التي أمر الله بها بقوله: ﴿فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
وقال: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١﴾ [الواقعة: 10-11]. أي السابقون إلى الخيرات، والأعمال الصالحات، هم السابقون إلى الجنات، والسابقون إلى الصلوات والجمعات، هم المقربون إلى الله في الجنات. ولهذا قال العلماء: إن الناس يكونون في القرب من الرب على قدر قربهم من الإمام يوم الجمعة.
وقال الحسن: إن الله سبحانه جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك، في اليوم الذي يفوز فيه العاملون، ويخسر في المبطلون: ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
وروى الحاكم في صحيحه عن جابر قال: سمعت النبي ﷺ وهو يعظ رجلاً ويقول له: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». فما بعد الدنيا من مستعتب، ولا بعد الدنيا دار، إلا الجنة أو النار.
فيا ساهيًا في غمرة الجهل والهوى
صريع الأماني عن قريب ستندم
أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده
سوى جنة أو حر نار تضرم
فبادر إذاً ما دام في العمر فسحة
وعدلك مقبول وصرفك قيم
وجد وسارع واغتنم زمن الصبا
ففي زمن الإمكان تسعى وتغنم
وسر مسـرعًا فالسيل خلفك مسـرع
وهيهات ما منه مفر ومهزم
فهن المنايا أي واد نزلته
وقوله: ﴿أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ يعني أن الله سبحانه خلق الجنة كرامة ونعمة لمن أطاعه واتقاه، كما خلق النار عقابًا وعذابًا لمن خالف أمره وعصاه، ولما خلق الله الجنة قال لها: تكلمي. قالت: قد أفلح المؤمنون. فقال: طوبى لك منزل الملوك.
والجنة هي سلعة الله الغالية، لا تنال إلا بالأعمال الصالحة، وقد هيئت وأعدت للمتقين، الذين أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، واجتنبوا المحرمات، وأنفقوا في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 32].
والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين ﴿وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 131]. وحقيقتها تنحصر في فعل المأمورات، واجتناب المحرمات، خوفًا من عقاب الله، ورجاء ثوابه. ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: ليس التقوى بقيام الليل، وصيام النهار، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى هي أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، وإن زدت على ذلك فهو خير إلى خير. فالمتقون يجعلون أعمالهم الصالحة بمثابة الوقاية دون عقاب الله، كما في الحديث أن النبي ﷺ قال: «اتقوا النار». ثم أعرض وأشاح، ثم قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»[424]. وكان النبي ﷺ يخطب، فسأله رجل. فقال: يا رسول الله من أكرم الناس؟ فقال: «أَكْرَمُ النَّاسِ أَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ وَأَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ، وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ»[425]. وقد قيل:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
﴿...وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3]. ﴿...وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا٤ ذَٰلِكَ أَمۡرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَئَِّاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا٥﴾ [الطلاق: 4-5].
ثم شرع سبحانه في أوصاف المتقين ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ﴾ أي: ينفقون، ويتصدقون في حالة اليسر والعسر، لرغبتهم في الثواب، وخوفهم من العقاب ﴿وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا ١٠﴾ [الإنسان: 8-10].
إنهم لم يقولوا هذا الكلام حين أطعموا الطعام، ولكن الله علمه من قلوبهم، فنطق به على ألسنتهم، وأفضل الصدقة جهد المُقِلّ، وابدأ بمن تعول.
وروى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري قال: «حث النبي ﷺ على الصدقة، ولم يكن عندنا مال. قال: فكنا نحامل على ظهورنا ونتصدق. وقد سبق درهم من فقير مئة درهم من غني. وفي البخاري قال رجل للنبي ﷺ: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أَنْ تَتَصَدَّقَ، وَأَنْتَ صَحِيح شَحِيح، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ»». وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «لَأَنْ يَتَصَدَّقَ المَرْءُ في حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمائَةٍ عِنْدَ مَوْتِهِ».
ثم قال: ﴿وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [آلعمران: 134].
وهذه أيضًا من صفات المتقين الذين أعد الله لهم جنات النعيم أنهم يكظمون الغيظ، ويعفون عن الناس، والله عفو، يحب العفو، فهم يحتسبون إسقاط حقهم عفوًا منهم عنه، مع قدرتهم على الانتصار. وفي كظم الغيظ فضل عظيم، وهو ينبئ عن رزانة العقل، والرغبة في الخير. ولهذا يقال: ليس الحلم في حال الرضاء إنما الحلم في حين الغضب. ولاسيما للصائم، فإنه يستحب له متى غاضبه أحد أو شتمه أن يلجم نفسه بلجام التقوى، ويستمسك من الورع بالعروة الوثقى، وليقل: إني صائم، كبحًا لنفسه من التشفي والانتقام، وردعًا لخصمه عن الجريان في هذا الميدان؛ لأن الصوم جنة يستجن به المسلم عن الإجرام والآثام، ورديء الكلام. ومن كان له الصوم جُنة في الدنيا، كان له جُنة دون النار؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
وقد سأل رجل النبي ﷺ فقال: «يا رسول الله أَوْصِنِي. قال: «لَا تَغْضَبْ» فردد مرارًا يقول: «لَا تَغْضَبْ»»[426]؛ لأن الغضب يتفرع عنه كل شر.
وقد قال النبي ﷺ يومًا لأصحابه: «مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» قالوا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: «لَا، لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[427]. ولهذا يستحب للرجل إذا غضب أن يتوضأ، أو يغسل وجهه بالماء؛ لأن الغضب من الشيطان المخلوق من النار، والماء يطفئ النار. وهو مجرب لتسكين الغضب، ولهذا ختم الله هذه الآية بقوله: ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ لأن الله سبحانه كتب الإحسان على كل شيء، على الناس فيما بينهم، وحتى الإحسان مع البهائم، ففي البخاري: «بينما كلب يلهث من العطش إذ نزعت له امرأة بغي موقها فسقته، فشكر الله لها ذلك، فغفر لها»[428] «قالوا يا رسول الله: أفلنا في البهائم أجر؟ قال: «نَعَمْ، فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» والنفوس مجبولة على محبة من أحسنإليها. وقال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا»». وفي رواية البخاري: «حَبَسَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ»[429].
ثم قال ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥﴾ [آلعمران: 135].
فهذه بعض أوصاف المتقين، وأنهم إذا أصاب أحدهم ذنبًا على حين غفلة، أو غلبته شهوة، أو غضب، فإنهم يفرون إلى الله، ويتوبوون إليه، ويستغفرونه من ذنبهم، ويندمون على ما وقع منهم، إذ ليس من شرط المتقين العصمة. والله يفرح بتوبة عبده إذا تاب. وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ ٢٠١ وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ ٢٠٢﴾ [الأعراف: 201-202].
فأخبر الله عن الذين اتقوا أنه إن وقع من أحدهم ذنب أبصر الخروج منه، بالتوبة عنه، وقد قيل:
إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألـمـا
وشروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على أن لا يعود، وإن كانت عن مظالم مالية فيردها إلى أربابها؛ لأنها من الدواوين التي لا يترك الله منها شيئًا.
وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار على الذنوب، وعدم التوبة منها، كما في الحديث «وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ». وما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة، كما ثبت بذلك الحديث[430]. لكنه من تاب من الذنب واستغفر منه، وقلبه متعلق بمحبته، وعازم على معاودته، فإن هذه توبة المستهزئ بربه، فهي توبة الكذابين. ﴿وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ﴾ [النساء: 18].
ثم قال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦﴾ [آلعمران: 136] إن الله سبحانه بدأ هذه الآيات بالمسارعة إلى المغفرة والفوز بالجنة، وختمها بالمغفرة والفوز بالجنة، وإن أعظم ما يهتم به العاقل هو سؤال المغفرة والفوز بالجنة، والعمل لينال ذلك، بأن يسعى لها سعيها وهو مؤمن. وقد قال رجل للنبي ﷺ: «إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ: أما إني أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار. قال رسول الله ﷺ: «حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ»»[431].
وإذا أراد الله بعبده خيرًا وضع عليه كنفه وستره، فيقرره بذنوبه، ثم يقول: إني قد غفرتها لك.
وسيد الاستغفار هو أن تقول: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ»[432].
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[423] أخرجه أبو يعلى من حديث عائشة. [424] رواه مسلم عن عدي بن حاتم. [425] رواه أحمد والطبراني في الكبير عن درة بنت أبي لهب بإسناد حسن. [426] رواه البخاري عن أبي هريرة. [427] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [428] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة. [429] متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر. [430] رواه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق. قال الترمذي: غريب وليس إسناده بقوي. [431] أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة. [432] أخرجه البخاري عن شداد بن أوس.