(83) صلاة الاستسقاء صفة صلاة الاستسقاء
هو أن يصلي ركعتين على صفة صلاة العيد؛ يكبر في الركعة الأولى ستة تكبيرات زوائد بعد تكبيرة الإحرام، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات زوائد، ثم يقول:
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، المؤمَّل لكشف كل كرب شديد، المرجو للإحسان والإفضال والمزيد، لا إله إلا الله، لا راحم سواه للعبيد، سبحان فارج الكربات، سبحان مجيب الدعوات، سبحان مغيث اللهفات، سبحان القائم بأرزاق جميع المخلوقات في البراري والبحار والفلوات، سبحان من عم بستره ورزقه حتى العصاة.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله وأطيعوه، وامتثلوا أمر ربكم ولا تعصوه، فإن أطعتموه لم يصل إليكم شيء تكرهونه، وإن عصيتموه عاقبكم بما لا تطيقونه، واعلموا رحمكم الله، أنكم خرجتم إلى هذا الصعيد لطلب السقيا من الرب الكريم الحميد، وأن من حكمة أحكم الحاكمين، أنه سبحانه يبتلي عباده المؤمنين بالجدب، والجهد، والسنين ليستدعي بذلك إقبال قلوبهم إليه، فينطرحوا بين يديه، فيدعونه متضرعين مخلصين له الدين، ويعلمون علم اليقين أنهم فقراء إلى الله في كل حالاتهم، وأن الله هو الغني الحميد.
وقد ابتلي الناس بالجدب زمن النبي ﷺ، وزمن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فكانوا يفزعون إلى ربهم، فيصلون له، ويدعونه متضرعين ليكشف ما بهم، لكون الدعاء والاستغفار يدفع البلاء ويرفعه، ﴿وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى﴾ [هود: 3] ﴿وَيَٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا وَيَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ﴾ [هود: 52] ﴿فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا ١١﴾ [نوح: 10-11] والله يحب أن يسأل، ويحب الملحين بالدعاء، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ [غافر: 60]. فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
وصلاة الاستسقاء هي صلاة دعاء وتضرع، سنها رسول الله ﷺ وفعلها الأنبياء قبله، فروى الإمام أحمد، وصححه الحاكم، أن رسول الله ﷺ قال: «خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمَانُ عليه السلام يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً عَلَى ظَهْرِهَا، رَافِعَةً قَوَائِمَهَا إِلَى السَّمَاءِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ سُقْيَاكَ وَرَحْمَتِكَ، فَقَالَ: ارْجِعُوْا فَقَدْ سُقِيْتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ»[421]. إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يرفع إلا بتوبة، قال علي رضي الله عنه: وايم الله ما كان قوم في رغد من العيش، فزال عنهم ذلك، إلا بخطيئة اجترحوها. ولو أن الناس حين تحل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم في رقة من قلوبهم، وصدق من نياتهم، لرد لهم كل ما كان شاردًا، وأصلح لهم ما كان فاسدًا ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٩٦﴾ [الأعراف: 96] ﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤١﴾ [الروم: 41].
والاستسقاء هو طلب السقيا من الله، لكون السين والتاء للطلب، وقد جاء الصحابة إلى رسول الله ﷺ وقالوا يا رسول الله: «أجدبت الأرض، وقحط المطر، فاستسقي لنا ربك. فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فصلى بهم ركعتين، ثم خطب الناس فقال: « إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث والرحمة، ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، واحي بلدك الميت، اللهم إنا خلق من خلقك. ليس بنا غنى عن سقياك ورحمتك. اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين»[422].
ثم يقلب رداءه ويتوجه إلى جهة القبلة ويدعو.
[421] أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي صديق الناجي. [422] أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها بلفظ مقارب.