(66) الخمر وكونها أم الشّرور والدّاعية إلى الفجور
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه. الذي وفق أهل طاعته للعمل بما يرضاه، وخذل أهل معصيته فاستحوذ عليهم الشيطان، وحبب إليهم الكفر والعصيان، وأنساهم ذكر الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٩٠ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ ٩١ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٩٢﴾ [المائدة: 90-92].
قال بعض السلف: إذا سمعت الله يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ فأصغ لها سمعك، فإنها خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.
نادى الله عباده باسم "الإيمان" بعدما هاجروا إلى المدينة، ورسخ الإيمان في قلوبهم، وانقادت للعمل به جوارحهم.
وهذه الآية نص في تحريم الخمر تحريمًا قطعيًّا؛ لأنها من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولاً، فأحلوا حلالها، وحرموا حرامها.
والله سبحانه لا يحرم شيئًا من المحرمات، كالربا والزنا وشرب الخمر، إلا ومضرته واضحة، ومفسدته راجحة، كما أنه لا يوجب شيئًا من الواجبات؛ كالصلاة والزكاة والصيام إلا ومصلحته راجحة، ومنفعته واضحة. وقد حرم الله الخمر لفنون المضار المتفرعة عنها؛ لأنها أم الخبائث، وجماع الإثم، ومفتاح الشرور، والداعية إلى الفجور، تهتك الأسرار، وتقصر الأعمار، وتولد في الجسم أنواع الأمراض والأضرار، عواقبها ذميمة، وعقوبتها أليمة، والقلوب المحبة لها سقيمة، والبلية بها لا سيما بعد نزول الشيب داهية عظيمة، فكم سلبت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم خربت من دار، وكم أذهبت من عقار، فوصفها سبحانه بأنها رجس وهو النجس الخبيث.
وإذا تربى الجسم على هذا الرجس، صار نجسًا خبيثًا؛ لأن الغاذي شبيه بالمغتذي حتى إن أولاد السكير ينشؤون مخدجين لكونهم تخلقوا من نطفة نجسة ﴿ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗا﴾ [الأعراف: 58]. ثم وصفها بأنها ﴿مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ﴾ فلا يدمن شربها ولي للرحمن ثم قال: ﴿فَٱجۡتَنِبُوهُ﴾. وهي أبلغ من قوله: دعوه، أو اتركوه. كأنه يقول: ابعدوا عنها كل البعد، كونوا في جانب وهي في جانب. ثم قال: ﴿لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ تشير هذه الآية إلى أن النزاهة عن شرب الخمر هو عنوان الفلاح، وأن الغرق في محبتها وإدمان شربها هو غاية في السفاه والفساد. ثم قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ﴾ أما العداوة في الخمر فمعروفة من قديم الزمان وحديثه، وذلك أنه متى شرب الخمر فسكر، هذى وافترى، وسب وضرب، فإن كان يسوق سيارة الحديد، فإنه ينجم عنه الضر، والبأس الشديد.
ومن جنس العداوة الناشئة عن الخمر؛ ما ثبت عن جماعة من الأنصار أنهم كانوا جلوسًا على شرب خمر قبل أن تحرم الخمر، فتناشدوا الأشعار، ثم سكروا، فعبث بعضهم ببعض بالضرب والتجريح، فلما زال عنهم السكر، كان أحدهم يقول: والله ما فعل بي فلان هذا إلا لحقد كامن في نفسه عليّ، فنشبت الحرب بينهم سنين، حتى أطفأها الله بالإسلام، وببعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ [آلعمران: 103] وقد قال النبي ﷺ لأشج عبد القيس: «ما هذه الشجة التي أرى في وجهك؟» فقال: يا رسول الله، شرب رجل من قومي الخمر فسكر، فضربني بلحي جمل. فقال: «هكذا الخمر تفعل بشاربها، قاتل الله الخمر»[247].
ثم قال: ﴿وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾. إنه من المعلوم أن شارب الخمر بعيد عن الصلاح والصلاة، فلو حافظ على الصلاة، لنهته عن فعل هذه المنكرات، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكنهم في غفلة ساهون، ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية، قد﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٩﴾ [المجادلة: 19] ولما قال: ﴿فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ قال عمر: قد انتهينا، قد انتهينا، قبحًا لها وسحقًا، قرنت بالأصنام والأزلام[248]. وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
وكان جماعة من الأنصار جلوسًا في بيت أبي طلحة على شرب، فسمعوا صوتًا عاليًا، فقال أبو طلحة: قم يا أنس، فانظر ما هذا الصوت. فنظر ثم رجع. فقال: هذا منادي رسول الله ﷺ ينادي بتحريم الخمر[249]، وكانت الكاسات بأيديهم، فجعلوا يضربون بها الحيطان ويقولون سمعًا وطاعة لله ورسوله. ثم خرجوا إلى السوق، وبها ظروف الخمر، فجعلوا يضربونها بالسكاكين حتى سالت بالأزقة، وجعلوا يقولون: والله إن كنا لنكرمك عن هذا المصرع قبل هذا اليوم.
يقول بعض الناس: إن الشخص متى شرب الخمر فتخمر حبها في رأسه، فإن من الصعب إقلاعه عنها وتوبته منها؛ لأنه كلما اشتكى رأسه من وجعها عاد إلى شربها، على حد ما قيل: فداوني بالتي كانت هي الداء، ونحن لا نسلم لهذا الاعتقاد لوقوع ما يكذبه، وذلك أن الصحابة تربوا على حبها، وإدمان شربها في جاهليتهم، وبعد أن أسلموا وبلغهم تحريمها؛ تعففوا عنها، وتابوا منها بدون مشقة؛ لأن الأمر في الإقلاع يرجع إلى صحة العزيمة، وصدق الإرادة، وقوة الإيمان، وهو أعظم وازع إلى أفعال الطاعات، وأقوى رادع عن مواقعة المنكرات:
لن ترجع الأنفس عن غيها
ما لم يكن منها لها زاجر
ونفسك إن أشغلتها بالحق
وإلا أشغلتك بالباطل
وقد قيل:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وقد شرع الله الصيام لمغالبة النفس على الشهوة والهوى، ومراتع الغيّ والردى، كي تتحمل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عما حرم الله، وهذا نوع من الجهاد في سبيل الله؛ لكون المجاهد هو من جاهد نفسه في طاعة الله.
وفي المشروبات المباحة على كثرتها التي تزيد في الصحة والعقل ما يغني ويكفي عن المشروبات المحرمة التي تذهب بالعقول، وتوقع في الفضول، ولكن حبك الشيء يعمي ويصم.
أتدرون ما هي الخمر المحرمة، هي كل ما أسكر كثيره فقليله حرام، وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام، فهذه هي القاعدة في معرفة الخمر المحرم؛ لأن الخمر يكون من التمر ومن العنب ومن الذرة والشعير، ويكون من مشروبات مستحدثة، فلا تنسوا هذه القاعدة وهو أن «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»[250]. وهو خمر من أي شيء كان. حتى لو فرضنا وجود عين من شرب منها سكر، فإننا نحكم عليها بأنها خمر محرم.
حرمت الخمر، لفنون أضرارها المتعددة على الروح وعلى العقل وعلى الجسم وعلى النسل وعلى المال وعلى المجتمع، لكونها تطيش بالعقل عن مستواه، حتى يخيل للرجل السافل الساقط أنه ملك قادر، وجبار قاهر، فيندفع إلى تحقيق الخيالات الخمرية فيضرب ويسب، ويسوء خلقه على أهله وعياله، وعلى الناس، ثم تخيم الكآبة على وجهه، والوحشة على أهل بيته، فيخافون أشد الخوف من سطوته؛ لكونه قد أزال عن نفسه نعمة العقل الذي شرفه الله بها، فألحق نفسه بالمجانين، وكيف يرضى بجنون من عقل؟
ولأجله لعن النبي ﷺ الخمر: شاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وبايعها، ومشتريها، وحاملها، والمحمولة إليه كل هؤلاء واقعون في اللعنة[251]. لأنهم يساعد بعضم بعضًا على فعل هذه المعصية المحرمة وقال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِكَأْسِ الْخَمْرِ» رواه الطبراني من حديث ابن عباس. وعن جابر أن رسول الله ﷺ خطب عام الفتح فقال: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»[252] متفق عليه.
وأخبر النبي ﷺ أن الناس في آخر الزمان يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها[253]. والأسماء لا تغير الأشياء عن حقائقها! وأخبر أن أناسًا من هذه الأمة يبيتون على لهو ولعب وشرب خمر، فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير - وهذا المسخ والله أعلم: هو مسخ صوري - أي يصبحون في أخلاق القردة والخنازير. قد ذهبت منهم الغيرة والمروءة، والعفة والشرف، ويظهر أثر هذا المسخ على سيماهم، يعرفه المتفرسون من الناس. والله أكبر. كم في الخمر من آفات ومضرات؛ لأنها أم الخبائث، ومفتاح الشرور، والداعية إلى الفجور.
فضررها يتناول الروح والجسد والمال والولد والعرض والشرف، تهتك الأسرار، وتقصر الأعمار، وتولد في الجسم أنواع الأمراض والأضرار. فكم خربت من دار، وكم أذهبت من عقار، وكم أفقرت من تجار، وكم نقلت العقل الصحيح من حالة العدل والتفكير وحسن التدبير، إلى حالة الجنون والخبال والفساد الكبير. فبعض العرب في جاهليتهم قد حرموها على أنفسهم قبل أن يحرمها الإسلام، ويقول أحدهم: كيف أشرب ما يذهب عقلي ويلحقني بالمجانين.
كما أن النصارى في هذا الزمان على كفرهم وضلالهم أخذوا يعقدون الجمعيات على أثر الجمعيات في محاولة تحريم الخمر، لما رأوا شدة مضرتها في شبابهم ونسائهم؛ لهذا أخذوا في محاولة التقليل منها. والمحاكم على اختلاف أنواعها مملوءة بحوادث جرائمها؛ من التعدي على الناس، وعلى أعراض النساء، وأخلاق الأولاد.
فجميع الناس من مسلمهم وكافرهم وصالحهم وفاسقهم، أصبحوا يتحدثون عن مضار الخمر، وخطرها على الأفراد والمجتمع، حتى صارت حديث القوم في مجالسهم، ويتزايد ضررها، ويعظم خطرها في البلدان الحارة، كبلدان المملكة العربية السعودية، والخليج، والعراق. وإذا تعود الشاب شربها في صغره، فإنه ينقصم عمره في شرخ شبابه؛ لكونه يسرف على نفسه من شربها بما يعجل هلاكه.
ولا يزال الرجل يمشي مع الناس بعفاف وشرف، وحسن خلق إلى أن يشرب الخمر، ويدب السكر في رأسه، فعند ذلك ينسلخ من الفضائل، ويتخلق بالرذائل، ويبغضه أهله وأقاربه.
ومما يجب أن ننصح بالابتعاد عنه من المشروبات الضارة، شرب الدخان المسمى بالتبغ؛ من نرجيلة أو من سيجارة، وإنه من العادات الضارة للصحة، ويحدث فنونًا من الأضرار والأمراض. وقد قام الطب الحديث على محاربته والتحذير منه، وإن كان قد اعتاد الشخص شربه؛ وجب عليه أن يتوب منه حفظًا لصحته وحماية لذريته الذين يقتدون بسيرته، وقد وصفه بعض الأطباء بالحية المنطوية على الجسم، فهو كما قيل:
مفتر الجسم لا نفع به أبدًا
بل يورث الفقر والأسقام في البدن
ولا يغرنك من في الناس يشربه
الناس في غفلة عن واضح السنن
يقضـي على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
وإن الذين يعرفون تحريم الخمر، وفنون الأضرار المتفرعة عنها، ثم يتسامحون في دخولها إلى بلدهم، والاتجار فيها، مع كونهم مسلمين، فهؤلاء ليس فيهم غيرة دينية، ولا حمية وطنية، وإنما يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. فقد لعن رسول الله ﷺ الخمر: بائعها، ومشتريها، وإن بلد الإنسان بمثابة أمه التي ولدته وغذته بلبانها، فالذي يجلب الخمر إلى بلده، أو يبيعها، أو يرضى ببيعها، هو بمثابة الذي يقود السوء على أمه، وإن إدخال الخمر المحرمة إلى البلد؛ أضر على أهلها من إدخال المطاعم المسمومة. فهل أنتم منتهون؟
وقد شرع الله على لسان نبيه إقامة الحد بالجلد لشارب الخمر، كفارة عنها. وليكن بمثابة الزجر عن ارتكاب هذه الجريمة الأثيمة؛ لأن دين الإسلام قائم على محاربة الجرائم على اختلاف أنواعها، وعلى تقليلها، وتطهير المجتمع من الجهر بها. فشرع حد الخمر صيانة للعقول والأرواح والأجسام والمجتمع. وأنزل الله ﴿وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ﴾ [النور: 2] لأن من لا يكرم نفسه لا يكرم. ومن يهن الله فما له من مكرم «وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا»[254].
والنبي ﷺ جلد في الخمر أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين. وقال: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ»[255]. وقال: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ»[256].
والتأديب بالسجن ولو طال فإنه لن يقوم مقام الجلد في النكاية والردع لكون الجلد تكفيرًا للجريمة، وزجرًا عن معاودة فعلها، وردعًا للناس عن أمثالها. والله يقول: ﴿وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [النور: 2].
ألا إن شرب الخمر ذنب معظم
يزيل صفات الآدمي المسدّد
ويلحق بالأنعام بل هو دونها
يخلّطُ في أفعاله غير مهتد
يزيل الحيا عنه ويذهب بالغنى
ويوقع في الفحشا وقتل التعمد
فكل صفات الذم فيها تجمعت
لذا سميت أم الفجور فأسند
إن شباب العصر قد صرفوا جل عقولهم واهتمامهم إلى تقليد النصارى في سوء أعمالهم، حتى في سفاسف أخلاقهم وعاداتهم، يظنون من رأيهم القصير، وعزمهم الحقير، أن الحضارة والمدنية والرقي والتقدم هو في معاقرة الخمور، ومجاراة النصارى في الخلاعة والسفور، وقد ضربهم من الجهل سرادق، ومن الغباوة أطباق، وغرهم بالله الغرور، تالله لقد سلكوا شعاب الضلالة، وسقطوا في هوات المذلة، ورضوا بأخلاق المذمة التي ساقهم إليها ودلهم عليها صريح الجهل وسفالة الأخلاق ومجالسة الفساق، فإن داموا على ما هم عليه، ولم يعدلوا سيرتهم، ولم يرجعوا إلى طاعة ربهم، صاروا مثالاً للمعايب، ورشقًا لنبال المثالب.
وسيسجل التاريخ مساوئهم السيئة التي خالفوا بها سيرة سلفهم الصالحين، الذين شرفوا عليهم بتمسكهم بالدين، وطاعة رب العالمين، فلا أدري من أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. فانتبهوا من غفلتكم، وتوبوا من زللكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
[247] أخرجه أبو يعلى في المسند من حديث سعد حول هذا المعنى. [248] أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر بن الخطاب. [249] أخرجه أبو داود من حديث أنس. [250] أخرجه مسلم من حديث ابن عمر عن جابر أن رسول الله قال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». [251] رواه أبو داود من حديث ابن عمر. [252] متفق عليه من حديث جابر. [253] أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة، والطيالسي في مسنده من حديث عن رجال من أصحاب رسول الله ﷺ. [254] أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة. [255] أخرجه أبو داود من حديث قبيصة بن ذؤيب. [256] أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر.