متقدم

فهرس الكتاب

 

(59) الشكر وحقيقته وآثار بركته وحُسن عاقبته

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتفيض الخيرات، وتنزل البركات، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها النجاة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الآيات والمعجزات، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، وركب فيهم العقول ليعرفوه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ليشكروه، والله يجازي كل من شكره بالمزيد ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧ [ابراهيم: 7] فبالشكر تزيد النعم وتدوم، وبتركه تسلب وتزول، فالشكر قيد النعم، والمعاصي من أسباب حلول النقم، و «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ»[169]، وليس الشكر مقصورًا على قول أحدكم: الشكر لله. فإن هذا الكلام لا نزال نسمعه من لسان كل إنسان، ينطق به البر والفاجر، والجاحد والشاكر، والله تعالى يقول: ﴿وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ [سبأ: 13]. وإنما حقيقة الشكر: الاعتراف بالنعمة باطنًا، والتحدث بها ظاهرًا، وصرفها في مرضاة وليها ومسديها. فمن أنعم الله عليه بنعمة الغنى بالمال، فعنوان شكره هو القيام بواجب حق الله فيه، من أداء زكاته، ومن الصدقة منه، والصلة لأقاربه، والنفقة في وجوه البر والخير؛ الذي خلق لأجله فإن هذا هو حقيقة شكره المستلزم لنموه وبركته، مع النفقة منه على الأهل والعيال، والتجمل منه بأنواع الزينة المباحة والمسكن؛ لأن هذا من النفقة بالمعروف، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لأن الله جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة.

إن الناس مستخلفون في الدنيا على أموالهم، والله ناظر كيف يعملون فمن أخذ هذا المال من حله، وأدى منه واجب حقه، فنعم المعونة هو، وكان له حسنات ورفع درجات في الجنات، ومن أخذه من غير حله، ومنع منه واجب حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عذابًا عليه في الدنيا، وعقابًا في الآخرة، يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ٨٥ [التوبة: 85].

إنه ما أنفق أحد نفقة في سبيل الزكاة والصدقة والصلة وسائر الأفعال الخيرية، إلا أخلفها الله عليه بأضعاف مضاعفة ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ [سبأ: 39]. فلو جربتم لعرفتم، فقد قيل: من ذاق عرف، ومن حرم انحرف. وما بخل أحد بنفقة واجبة في سبيل الحق؛ من زكاة وصدقة وصلة إلا سلطه الشيطان على نفقة ما هو أكثر منها في سبيل الباطل.

فكسب المال من حله، ثم الجود بأداء واجب حقه، يعد من مفاخر الدنيا، وإنه لنعم الذخرى للأخرى، فقد ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العلى، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، فجميع ما أوجد الله في الدنيا من الذهب والفضة والمعادن الجامدة والسيالة والبترول والحيوانات والثمرات وسائر الفواكه والخيرات، كل هذه خلقها الله كرامة ونعمة للإنسان، ليتنعم بها في حياته، ويتمتع بها إلى ما هو خير منها لآخرته، يقول الله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ [سبأ: 15] وقال: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ ٨١ [طه: 81] فأمر الله عباده، بأن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، أي من الحلال، ولا يطغوا فيه، والطغيان: هو مجاوزة الحد في السرف والترف، والفسوق والعصيان، وذلك بأن يستعينوا بنعم الله على معاصيه، أو يستعملوها في سبيل ما يسخطه ولا يرضيه، فيحملهم الغنى بالمال على الوقوع في الطغيان، وصدق الله العظيم ﴿كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰٓ ٨ [العلق: 6-8].

فكل ما تسمعونه في القرآن أو في الحديث، من ذم الدنيا أو ذم المال، فإنما يراد به ذمّ أفعال بني آدم السيئة في المال؛ لأن أفعال الناس تقع غالبًا على الأمر المكروه أو الحرام؛ من أكلهم الربا، وشربهم الخمور، وتوسعهم في أعمال الشرور والفجور، فالذم ينصرف إلى هذه الأعمال، لا إلى نفس المال. وإذا قال الإنسان: لعن الله الدنيا. قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه؛ لأن الله جعل الدنيا منحة لأقوام، ومحنة على آخرين، وسعادة لأقوام، وشقاوة على آخرين، وقد سمى الله المال خيرات.

فالمال هو من الزينة التي أخرجها الله لعباده كرامة لهم ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣٢ [الأعراف: 32] فسمى الله المال زينة؛ لأنه يزين صاحبه في العيان، ويجمله بين الأقران، ويحفظه عن السقوط في الذل والهوان، وهو ترس المؤمن في آخر الزمان، ولا يستغنى عنه في حال من الأحوال، وإن الكريم على الإخوان، ذو المال.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
ما أقبح الكفر والإفلاس في الرجل
مع العلم أنه لا غبطة بكثرة المال، وإنما الغبطة في استعمال المال فيما خلق له من صالح الأعمال، كما قيل.
فتى لا يعد المال رَبّا ولا يُرى
له جفوةٌ إن نال مالاً ولا كبرُ
إنه ما بخل أحد بالزكاة الواجبة، إلا عاجلته الحسرة والندامة قبل خروجه من الدنيا. وهنا قصة هي بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره:

عاد الحسن البصري رجلاً يدعى عبد الله بن الأهتم، وكان تاجرًا لكنه شديد البخل فرآه يضطرب ويحوقل، فقال: ما هذا الاضطراب معك، أمن وجع تشتكيه؟ فقال: لا والله، ولكنني أفكر في مائة دينار في زاوية هذه الدار لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحمًا، ولم أقم بواجب حق الله فيها، وقد عرفت أنني سأعذب بها، فقال له: ثكلتك أمك، ولمن كنت تجمعها وتمنعها قال: جمعتها لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. ثم إنه قدر أن يموت من مرضه فشهد الحسن جنازته، فلما أتى المقبرة ألقى الموعظة على حسب عادته في نشر الحكمة والموعظة الحسنة، فقال: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، وجفوة سلطانه، انظروا إليه خرج من الدنيا مذؤوما مدحورًا، لا خيرًا قدمه، ولا إثمًا سلم منه، ثم التفت إلى الوارث. فقال: لا تخدعن كما خدع صاحبك بالأمس، إن هذا المال أتاك حلالاً، فلا يكونن عليك وبالاً، وأتاك عفوًا صفوًا ممن كان جموعًا منوعًا من باطل جمعه، وعن حق منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح لك فيه يمين، ولم تعرق لك جبين، واعلم أن يوم القيامة ذو حسرات، وأكبر الناس حسرة رجل رأى ماله في ميزان غيره، سعد به وارثه، وشقي به جامعه، فيا لها حسرة لا تزال، وعثرة لا تقال.

إن الناس عند استفادة الغنى على أقسام، منهم البخيل المقتر، ومنهم السفيه المبذر، ومنهم الوسط المقتصد الغني الشاكر، وخير الأمور أوسطها.

أما البخيل المقتر فهو التاجر الجموع المنوع فهو الذي غمره الله بنعمته، وفضله بالغناء على كثير من خلقه، ثم يجمد قلبه على حب ماله، وتنقبض يده عن أداء زكاته، وعن الصدقة منه، والصلة لأقاربه، والنفقة في وجوه البر والخير الذي خلق لأجله. قد التاط قلبه بحب الدنيا، فجعلها أكبر همه وغاية قصده، وصرف إليها جل عقله، وجل عمله، وجل اهتمامه، وترك لأجلها فرائض ربه، ونسي أمر آخرته، ولم يزل ذاك دأبه، حتى يخرج من الدنيا مذؤومًا مدحورًا، لا خيرًا قدمه، ولا إثمًا سلم منه، فيندم حيث لا ينفعه الندم، ويقول: ياليتني قدمت لحياتي، وربما كان محدث نفسه في حال فقره، أن لو أغناه الله لأنفق وتصدق، وأدى زكاة ماله، فلما حقق الله آماله، وكثر ماله، فر ونفر، وبخل واستكبر، فهذا بالحقيقة فقير لا يؤجر على فقره، قد أوقع نفسه في الفقر من مخافة الفقر، فكان جموعًا منوعًا، هلوعًا جزوعًا. فلا ينبغي أن يُغبط مثل هذا بكثرة ماله، مع العلم بفساد أعماله، إذ هو أخو قارون في كثرة ماله، وفساد أعماله.
خُلقوا وما خُلقوا لمكرمة
فكأنهم خُلقوا وما خُلقوا
رُزقوا وما رُزقوا سماح يد
فكأنهم رُزقوا وما رُزقوا
فمن رزقه الله من هذا المال رزقًا حسنًا، فليبادر بأداء زكاته، ولينفق منه سرا وعلنًا حتى يكون أسعد الناس بماله. فإن مال الإنسان ما قدم.

إن الله سبحانه قص علينا في كتابه الكريم خبر من أنعم عليه بالغنى فشكر، وخبر من أنعم عليه بالغنى فطغى واستكبر، قال سبحانه في حق الغني الشاكر ﴿لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٣٨ [النور: 37-38] أي من سعة الدنيا وبركتها. قال البخاري في صحيحه: كان أصحاب رسول الله ﷺ يتجرون ولكنهم إذا نابهم أمر من أمور الله، أو حضرت فريضة من فرائض الله، بادروا بأدائها إلى الله[170]، ولم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فحصلوا الحسنتين، وفازوا بالسعادتين؛ سعادة الدنيا، وسعادة الآخرة، فكانت أعمالهم بارة، وأرزاق الله عليهم دارة. ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ [الزمر: 18].

أما من أنعم الله عليه بالغنى، فطغى واستكبر، فقد قال الله تعالى في حقه: ﴿۞وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٧٥ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ ٧٦ فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ٧٧ [التوبة: 75-77]. إن هؤلاء في حالة فقرهم، كانوا على جانب من الصلاح والاستقامة، ويحافظون على الصلوات في الجمع والجماعة، وكانوا في حالة فقرهم، يعاهدون ربهم أن لو أغناهم الله لأدوا زكاة أموالهم، وأنفقوا وتصدقوا، فلما حقق الله آمالهم وكثر مالهم، فروا واستكبروا، وبخلوا بما آتاهم الله من فضله، فتركوا الصلوات، ومنعوا الزكاة، فأنزل الله فيهم ما تسمعون ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ [التغابن: 16].

فالمال لا يكون سعادة في الحياة، ولا حسنات بعد الوفاة، إلا إذا سلك به صاحبه مسلك الاعتدال؛ بأن يأخذه من حله، ويؤدي منه واجب حقه، فيكون نعم المال الصالح للرجل الصالح، والتاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

أما السفيه المبذر، فهو الذي أصاب من هذا المال جانبًا كبيرًا، وعددًا كثيرًا، ولكنه أساء التصرف في استعماله، حيث حمله على الطفور والطغيان، على مجاوزة الحد في السرف والترف، والفسوق والعصيان، لم يزل تاركًا للصلاة، عاكفًا على اللذات، وشرب المسكرات، ينفق المال جزافًا في سبيل البذخ والشهوات، والتفنن في المأكولات، والتأنق في المركوبات، ولم يزل ذلك دأبه، حتى يصبح صفر اليدين، مطوق العنق بالدين، قد بدل نعمة الله كفرًا، وأحل بغناه دار البوار.

ومن المشاهد بالاعتبار أن المسرفين المبذرين يصابون بالفقر قبل أن يموتوا؛ لأن إنفاقهم المال في سبيل الإسراف والتبذير، وعدم حسن التدبير؛ مؤذن بزواله، ثم الوقوع في ضده - أي الفقر الذي استعاذ منه النبي ﷺ وقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ»[171]، فما افتقر من اقتصد. فدين الإسلام هو دين تثمير الأموال وحفظها، وتوسعه التجارات من سبيل حلها، ومنع الإسراف والتبذير لها.

يقول الله: ﴿وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا [النساء: 5]. أي تقوم بها أبدانكم، وتقوم بها بيوتكم، ويقوم بها مجدكم وشرفكم.

والسفه: خفة في الرأي، علامته كونه لا يحسن تثمير ماله ولا توفيره. وقال تعالى: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ٢٦ إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا ٢٧ [الإسراء: 26-27]. فجعل المبذرين من إخوان الشياطين، دليلاً على مهانته ومذلته، لأن الشياطين هم الذين يبطرون نعمة الله ولا يشكرونها ﴿وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا [النساء: 38].

فلا تكونوا مثل هذا السفيه المبذر، ولا مثل ذاك البخيل المقتر، ولكن مثل الوسط المقتصد الغني الشاكر، الذي آتاه الله النعمة فعادت عليه بالسعادة والرحمة، ساسها بالرأي والتدبير، وصانها من الإسراف والتبذير، وعاد بأداء زكاتها بالصدقة منها على الفقير والمسكين، وعلى الرحم واليتيم، فزكت نعمته، وزادت وثبتت ودامت، فكان عمله بارًّا، ورزق الله عليه دارًّا ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ [الزمر: 18].

أسأل الله سبحانه أن يعمنا وإياكم بعفوه، وأن يسبغ علينا وعليكم واسع فضله، وأن يدخلنا برحمته في الصالحين من عباده، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

[169] أخرجه ابن ماجه والإمام أحمد من حديث ثوبان. [170] أخرجه البخاري من حديث قتادة. [171] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، وضعفه بمحمد بن عجلان، وإنما خرج له مسلم في الشواهد.