متقدم

فهرس الكتاب

 

(58) العدل قوام الدّنيا والدّين وصَلاح المخلوقين

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة، وتفيض الخيرات، وتنزل البركات، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها رفيع الدرجات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أولي الهمم العاليات، والأعمال الصالحات.

أما بعد:

فإن الله سبحانه قد أوجب على عباده المؤمنين العمل بشرائع الدين، ومراعاة العدل في الأقوال والأعمال، وفي الحكم والقسم والشهادات، وفي الأهل والمال والبنين، يقول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ - أي بالعدل - ﴿شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ [النساء: 135] ويقول: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ -أي ولا يحملنكم - ﴿شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ - أي عداوة قوم - ﴿عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰ [المائدة: 8] ويقول: ﴿وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ [الأنعام: 152].

العدل وما أدراك ما العدل: هو قوام الدنيا والدين، وصلاح المخلوقين وله وضعت الموازين، وهو الآلف المألوف المؤمِّن من كل مخوف، به تألفت القلوب، والتأمت الشعوب، وشمل الصلاح، واتصلت أسباب النجاح والفلاح، وشمل الناس التواصل والتناصف، والتعاطف والتلاطف.

والعدل مأخوذ من العدل والاستواء، المجانب للجنف والجور والالتواء. وحقيقته وضع الأمور في موضعها، وأخذ الأموال من حلها ووضعها في محلها، وأداء الحقوق إلى أهلها، وإيتاء كل ذي حق حقه، «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ - أي العادلون - عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ - الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَمَا وَلُوا»[155].

والعدل: وهو ضد الجور، ونسمع من ألسنة الناس يقولون: فلان عدل، سيرته حسنة، يؤدي الحقوق ولا يظلم أحدًا. وبضده يقولون: فلان «مايل»، يأكل حقوق الناس ويتكبر عليهم. فهذه شهادة الناس عليهم، والناس شهداء الله في أرضه.

العدل واجب على كل أحد بحسبه، فعلى الحاكم من العدل: وجوب تنفيذ الحق والإلزام به، وردع الظالم، وكف طمعه، وإقناعه بحقه، وإيقافه على حده حتى لا يعتدي على غيره؛ لأن الحاكم ظل الله في أرضه، يأوي إليه كل مظلوم من عباده ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ [البقرة: 251] وإذا اتصف الحاكم بالعدل، ألزم النفوس طاعته، والقلوب محبته، وأشرق بنور عدله زمانه، وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه، وما أحسن ما قيل:
لكل ولاية لا بد عَزْل
وصرف الدهر عقد ثم حل
وأحسن سيرة تبقى لوال
مدى الأيام إحسان وعدل
وعلى القاضي الحكم بالعدل، والاجتهاد في إيصال الحق إلى مستحقه، والصبر على أذى الناس فيه، وفتح الأبواب وتسهيل الجناب وإزالة الحجاب والتبكير للجلوس للناس، واحتساب راحتهم بقطع النزاع عنهم؛ لأن ذلك من لوازم الحكم بالعدل.

وقد ذكر العلماء أن الذين يتوسطون بالإصلاح بين المتنازعين، والقسم بين المتشاركين بأنهم بمثابة القضاة، بحيث إنه يجب عليهم العدل والمساواة في حكمهم وقسمهم، لا سيما إذا كان في الورثة أيتام صغار، أو نساء ضعاف، فإنه يجب العطف عليهم واللطف بهم وإنصافهم في قسمهم، فالتوسط بالإصلاح والعدل ببن المتعادين، وإزالة الإحن والشحناء بين الأقارب المتباغضين هو من سنة الدين، يقول الله تعالى: ﴿لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١١٤ [النساء: 114] والنبي ﷺ قال: ««أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»[156].

ومن لوازم القائم بالإصلاح بين المتنازعين بالعدل أن يردع الطامع في مجاوزة حده وطمعه في حق غيره، فيصرح له بخطئه واعتدائه، فإن الصديق الحر هو من يُجرع صديقه المر، ليقيه من الوقوع في الضر، والنبي ﷺ قال: ««انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: «تَرْدَعُهُ عَنِ الظُّلْمِ، فَذَلكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ»[157].

ومن العدل مراعاة الاعتدال في أداء الشهادة؛ لأنها من الدين والأمانة، والله تعالى يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِ [المائدة: 8]. أي بالعدل ويقول: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2] أي أدوا الشهادة مقومة معدلة بدون جنف ولا جور، وبدون زيادة ولا نقص، كما قال النبي ﷺ للشاهد: ««ترى الشمس؟» قال: نعم. قال: «على مثلها فاشهد أو دع»[158]. ولأن أداء الشهادة كأداء فريضة الصلاة والصيام، لا تقبل الزيادة ولا النقصان، والكل لله عز وجل. وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: ««عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بِاللهِ تَعَالَى» مرتين. ثم قرأ: ﴿فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ ٣٠ حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦ [الحج: 30-31]. [159]. وقال «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وكان متكئًا فجلس. فقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ». فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت»[160].

وسميت شهادة الزور زورًا لكونها مزورة، أي مكذوبة مزورة، أو لكونها منحرفة عن طريق الحق والعدل، قد ظلم الشاهد بها نفسه، وظلم من شهد له وظلم من شهد عليه، وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيْءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»[161] فأخبر النبي ﷺ في هذا الحديث عن استخفاف الناس بالشهادة، إن قومًا في آخر الزمان يستخفون بأداء الشهادة، يجيء أحدهم بمثابة أنه شاهد، فيطيش به الهوى مع من يشهد له، فيقوم ويقعد مقام المخاصم المتحامل، فأحيانًا يشهد وأحيانًا يحلف بدون أن يستحلف، وهذا يسمى الشاهد المتحامل، وقد أسقط العلماء شهادته من أجل عدم عدالته، وأخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره.

ومن ذلك وجوب العدل بين الأهل، ولم يبح الله التعدد في الزوجات إلا بشرط التزام العدل. يقول الله تعالى: ﴿فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً [النساء: 3] ويقول: ﴿وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِ [النساء: 129] فأخبر الله أن العدل بين الزوجات في المحبة وتوابعها متعذر؛ لأنه من غير المستطاع. وكان النبي ﷺ يقسم لنسائه ويعدل ويقول: «اللَّهُمَّ هَذِا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ»[162]. يعني القلب ودواعيه. ولهذا نهى الله المؤمنين أن يميلوا كل الميل إلى إحدى الزوجات ويذروا الأخرى كالمعلقة، لا هي ذات زوج ولا مطلقة، كما يوجد كثير في أخلاق الذوّاقين.

فواجب المسلم العادل أن يراعي العدل في القسم بين زوجاته في المبيت والمقيل، وفي الكسوة والنفقة، إلا أن تسقط إحداهن حقها باختيارها، فقد وهبت سودة نوبتها وليلتها لعائشة. وليس من واجب القسم المساواة بين الزوجات في النفقة، فيجوز أن يخصص إحدى الزوجات بزيادة نفقته على حساب زيادات مصرفها في بيتها، لكونها تقصد لالتماس الصدقة، أو لأن لها عيالاً، ونحو ذلك. فهذا جائز، وليس من الجور في شيء، حتى لو أعطاها عطية جزلة خارج النفقة فإن ذلك جائز.

ومن الجور وعدم العدل كون بعض الناس متى استجد له امرأة، ووقعت عنده بموقع المحبة والحظوة، هجر امرأته القديمة وقلاها وآذاها، وقطع صلته بها ومبيته عندها، وقطع نفقته عليها وكل عياله منها بدون سبب يوجبه منها، ولم يزل ذلك دأبه بها إلى أن يبلى شبابها. وهذا لا يجوز، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان. وكان النبي ﷺ يقول في المجامع العظام: «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ»[163]. وكان يقول «اتَّقُوا اللهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْمَرْأَةِ الْأَرْمَلَةِ وَالصَّبِيِّ الْيَتِيمِ»[164]. وكان يقول «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي»[165].

وأعظم من هذا وأظلم الذي من تزوج امرأة فوقع بغضها في نفسه، ولم تحظ بمودته، فأخذ يضارها أو يضربها، لتفتدي منه فترد عليه الذي دفعه لها. وهذا حرام، ولا يفعله إلا الأراذل اللئام، وما يأخذه من المال منها فإنه حرام وليس بحلال؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡ‍ًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ٢٠ وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ [النساء: 20-21] بل إن الكرام متى تصرمت حبال مودتهم، وعزموا على فراق زوجاتهم، متعوهن بشيء من المال، وتحف الإكرام والاحترام، ليجبروا بذلك صدع الفراق، ومرارة الطلاق﴿وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٤١ [البقرة: 241].

ومن العدل وجوب التسوية بين الأولاد في العطية والوصية، وكان السلف الصالح يراعون العدل بين الأولاد حتى في القبل.

وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير: «أن أباه نَحَله بعض ماله، فقالت أمه عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله . فانطلق بي أبي إلى النبي يشهده على صدقتي، فقال له رسول الله : «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قال: لا. قال: «اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ»»[166]. وفي رواية قال: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ». قال: فرد أبي تلك العطية. يقول العلماء: إن من شؤم هذا التخصيص وقوع العداوة والبغضاء في قلوب الإخوة على أبيهم، وعلى أخيهم المخصص بالعطاء دونهم، ووقوع العداوة من بعضهم على بعض، فينشؤون متقاطعين متباغضين.

فمن أراد أن يخلف لأولاده مشكلة يتقاطعون عليها الأرحام، ويستمر فيها من بينهم النزاع والخصام، فليخصص أحدهم بالعطية أو يوقف الوقف على أحدهم، أو الأرض. ولم ينه الرسول الشارع الحكيم عن هذا التخصيص إلا من أجل شؤمه، وانتزاع بركته، وسوء عاقبته.

ومن الناس من يحابي بماله البنين دون البنات؛ ليحرمهن من حقهن، وهذا أيضًا يعد من الظلم، ومن الجنف والجور، فإن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. ولما قسم الله الميراث في سورة النساء، وبين ما يخص كل واحد من الورثة، قال بعد تقسيمه: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٣ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٤ [النساء: 13-14]. يفسره حديث: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوْهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوْهَا»[167]. ﴿إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ [النساء: 135] ومن المشاهد بطريق الاعتبار أن المبرور بطريق الجور مضرور، وأن المحروم من حقه مرحوم، أي تسبق له الرحمة من الله تعالى ﴿ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ [النساء: 11].

وههنا قضية هي لنا بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره؛ وذلك أن عبد الملك بن مروان خلف لعياله مالاً كثيرًا، يكفيهم لنفقتهم نهاية أعمارهم، وزادهم رضخًا في المال ليقيهم من الوقوع في الفقر. أما عمر بن عبد العزيز فإنه لم يخلف لعياله سوى سبعين دينارًا، وقيل له: أوصِ لعيالك. قال: لا. إن عيالي أحد رجلين: إما رجل تقي، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ [الطلاق: 2-3]. وإما ولد فاجر، ولا أريد أن أعين الفاجر على فجوره بشيء من المال، فتوفي رحمه الله عن غير مال. فدار الدهر بدورته.

قال الراوي: فلقد رأيت عيال عمر بن عبد العزيز يتصدقون على عيال عبد الملك بن مروان، ولقد رأيت أحد عيال عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله.

فاحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك وعيالك. وفي الحديث «من أحب أن يحفظ في عقبه وعقب عقبه، فليتق الله»[168].

فأفيقوا من رقدتكم، وتوبوا من زللكم، وحافظوا على فرائض ربكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

[155] رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص. [156] رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء بإسناد صحيح. [157] متفق عليه من حديث أنس بن مالك. ولكن بلفظ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَهِ». [158] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عباس. [159] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، ورواه الطبراني في الكبير موقوفًا على ابن مسعود بإسناد حسن. وهو في رواية خريم بن فاتك مرفوعًا. [160] متفق عليه من حديث أبي بكرة. [161] متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود. [162] رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة. [163] من خطبته ﷺ في حجة الوداع بعرفة. [164] رواه البيهقي في الشعب عن أنس بن مالك. [165] رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها. [166] رواه مسلم. [167] حديث حسن رواه الدارقطني وغيره عن أبي ثعلبة الخشني. [168] ورد هذا الحديث في الفرج بعد الشدة للتنوخي.