(50) الخطبة الثانية لخطبة عيد الأضحى
الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وركب فيهم العقول ليعرفوه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ليشكروه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة من يخاف ربه ويرجوه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ الذي شرع صلاة الجمع والأعياد، وبين للناس طريق الهدى والرشاد. اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معادًا يجمعكم الله فيه، فيحكم بينكم. وقد خاب وخسر عبد خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض. أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون إلى أجل مسمى محتوم؟ فمن استطاع منكم أن يقضي عمره وهو محافظ على واجباته من صلاته وزكاته وصيامه فليفعل.
إن قومًا صرفوا جل عقولهم وجل أعمالهم وجل اهتمامهم للعمل في دنياهم، واتباع شهوات بطونهم وفروجهم، وتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر آخرتهم، فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم، فقال سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١٩﴾ [الحشر: 18-19]. أين من تعرفون في مثل هذا العيد من الآباء والإخوان والأصدقاء؟ قَدِموا على ما قَدَّموا من عمل، وجوزوا بالسعادة أو الشقاوة، أين الذين بنوا القصور المشيدة، وحازوا فنون الأموال والقلاع؟ قد صاروا رميمًا تحت الصخر والتراب. إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته، لتعملوا مثل عمله فقال سبحانه: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.