اجتناب محظورات الإحرام
وسئل النبي ﷺ: ماذا يلبس المحرم؟ فقال: «لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافِ، إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»[14].
إن من سنة الإحرام؛ أن يتجرد الإنسان عن كل ما يعتاد لبسه، فلا يلبس القميص ولا العمائم ولا القلنسوة ولا السراويلات ولا الخفاف - وهي الزرابيل- بل يتجرد عن كل مخيط، فيحرم في إزار ورداء، يشبهان أكفان الموتى، بحيث يتساوى في هيئة الإحرام، الشريف والوضيع، والغني والفقير، والملك والمملوك، والوزير والصعلوك كما يتساوون في الصلاة وفي الطواف وفي سائر العبادات، «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»[15].
ومتى كان الإنسان يشتكي رأسه لعلة يجدها في نفسه إذا كشف رأسه؛ واحتاج إلى ستر رأسه؛ فإنه يجوز أن يستر رأسه، ويفدي بما يجزئ في الأضحية، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، لقول النبي ﷺ لكعب بن عجرة: ««لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم يا رسول الله. فقال: «احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ»». رواه البخاري. ولا يبطل بذلك إحرامه ولا حجه، بل يكفيه عن حلق رأسه، أو تقليم أظفاره، أو لبس المخيط من القميص والسراويل، بأن يفديه بذبح ما يجزئ في الأضحية، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. وكل هذا على التخيير، وحجه صحيح.
أما المرأة فإن إحرامها في وجهها؛ فلا تلبس البرقع، ولا النقاب فتزيل عن وجهها النقاب الذي يستعمله نساء الأعراب، إلا عندما يراها أحد من الرجال؛ فإنها تسدل الخمار على وجهها.
تقول عائشة: كانت إحدانا تكشف وجهها في إحرامها، فمتى رأينا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها[16]. فإن انتقبت المحرمة - أي لبست النقاب على وجهها- وجب عليها أن تفدي عنه بذبح ما يجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، ولا يجب عليها أن تستعمل العصابة على جبهتها لتمنع بها مس الخمار لوجهها، فهذا لم يثبت فعله عن نساء الصحابة. ولو فرض أن الخمار مس وجهها من أجل هبوب الهواء، أو غير ذلك، فإن هذا لا يضرها ولا يقدح في صحة حجها. ثم إن رسول الله ﷺ سار في طريقه حتى أتى سرفًا وهو بطرف مكة مما يلي طريق جدة فنزل به.
[14] أخرجه البخاري والنسائي وابن حبان من حديث ابن عمر. [15] أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. [16] أخرجه أبو داود والبيهقي من حديث عائشة.