متقدم

فهرس الكتاب

 

فتح مَكّة

فتح النبي ﷺ مكة عام ثمانية من الهجرة. وفي السنة التاسعة أمر النبي ﷺ أبا بكر رضي الله عنه أن يحج بالناس، وكان عدم مبادرته إلى الحج في هذه السنة، أن الناس قد اعتادوا أعمالاً منكرة يعملونها في الطواف؛ وذلك أنهم يطوفون بالبيت عراة، الرجال والنساء، ويقولون: ثياب عصينا الله فيها لا نطوف بها. فأنزل الله سبحانه: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٢٨ [الأعراف: 28]. ولهذا أرسل النبي ﷺ عليا بأن ينادي في الناس بسورة براءة، وألاّ يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله ﷺ عهد فأجله إلى مدته ﴿أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥ [التوبة: 3] وروى مسلم في صحيحه عن جابر: «مَكَثَ النَّبِيُّ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ».

وفي السنة العاشرة: أُذن في الناس أن رسول الله ﷺ حاج. فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يريد أن يأتم برسول الله ﷺ ويحج معه، ويعمل مثل عمله، قال جابر: فخرج رسول الله ﷺ حتى أتى ذا الحليفة - وهي ميقات أهل المدينة- فنزل بها ﷺ وبات بها تلك الليلة، فولدت أسماء بنت عميس - زوجة أبي بكر - فأرسلت إلى رسول الله ﷺ. فقالت: كيف أصنع؟ فقال لها رسول الله ﷺ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي»[5]. فدل هذا الحديث على أن الحائض والنفساء تغتسل للإحرام وتحرم كما يحرم سائر الناس، وإحرامها صحيح. قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة[6]. ثم إن رسول الله ﷺ تجرد لإحرامه واغتسل وتطيب. قالت عائشة رضي الله عنها: طيبت رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت[7]. فطيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه؛ كدهن الورد، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.

[5] رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله. [6] رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله. [7] متفق عليه من حديث أبي هريرة.