(19) آية الحُقوق العشرَة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗا﴾ [النساء: 36]
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والعمل بطاعته تطيب الحياة وتفيض الخيرات وتنزل البركات، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة نرجو بها رفيع الدرجات، والفوز بالجنات. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أولي الهمم العاليات، والأعمال الصالحات، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ٣٦ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ٣٧﴾ [النساء: 36-37]، هذه الآية تسمى آية الحقوق العشرة.
إن هذا القرآن بمثابة الرسالة الموجهة من رب العالمين إلى عباده المؤمنين، بلسان عربي مبين، بواسطة نبيهم الصادق الأمين.
والقرآن هو معجزة الدهور، وآية العصور، وسفر السعادة، ودستور العدالة، والداعي إلى الفضيلة، والرادع عن الرذيلة. فأمر الله بأن يعبدوه أي يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا.
والعبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال. فالصلاة فرضها ونفلها عبادة. بل هي رأس العبادة، والصوم عبادة، والزكاة عبادة، والصدقة عبادة، وبر الوالدين عبادة، وصلة الرحم عبادة، والإحسان إلى المساكين والأيتام والجيران عبادة، والذكر والتسبيح والتحميد عبادة، وتلاوة القرآن بالتدبر عبادة، والدعاء والاستغفار عبادة، بل الدعاء مخ العبادة. والله سبحانه إنما خلق الخلق للعبادة. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦﴾ [الذاريات: 56] فالعبادة هي أكبر ما يستعان بها على أمر الدنيا والسعادة فيها، والفوز بثواب الآخرة.
إن الدنيا محفوفة بالأنكاد والأكدار، وبالشرور والأضرار، ولا يهذبها ويصفيها سوى الدين وعبادة رب العالمين. فهي التي تجعل للمسلم من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلوى عافية، كما في الحديث أن النبي ﷺ قال: «يقول الله عز وجل: ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِى أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»[166] ومعنى التفرغ لعبادته أي العبادة التي أوجب الله عليك، فلا ينبغي أن تشتغل عنها بأهل ولا مال. ثم تتزود بما تستطيع من النوافل؛ فإنها نعم العون على ما تزاوله من أمور الحياة. كما أنها من الأسباب التي تحبب الرب إلى العبد فتجعله من حزبه المفلحين، وأوليائه المقربين لحديث: «مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ» إلى أن يقول: «وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»[167] وإليكم الآن آية الحقوق العشرة:
1 - يقول سبحانه: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗا﴾ [النساء: 36] لما أمر بالعبادة نهى أشد النهي عما يبطلها؛ فقال: ﴿وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗا﴾ [النساء: 36] فالشرك يحبط الأعمال، ومن يشرك بالله فقد حبط عمله، و﴿مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ﴾ [المائدة: 72]. وأخبر سبحانه بأنه لا أضل ممن يدعو مخلوقًا حيًّا أو ميتًا ويتوسل به ليشفع له عند ربه في قضاء حاجاته، وتفريج كرباته، فقال سبحانه: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦﴾ [الأحقاف: 5-6] وقال: ﴿وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤﴾ [فاطر: 13-14] وهو الله. وقال: ﴿وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٦﴾ [يونس: 106]. إنه لا أبلغ في الزجر من الشرك من القرآن الكريم.
والعجب أن عبدة القبور والأوثان في هذا الزمان، ينكرون تطبيق هذه الآيات على شركهم ويقولون: إنما نزلت هذه الآيات في المشركين الأولين، كأن الشرك والمشركين كانوا فانقضوا، وأنهم - بزعمهم - مغفور لهم في شركهم ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ﴾ [يونس: 18]. فشرك المتأخرين أكبر وأنكر من شرك الأولين. والنبي ﷺ قد بُعِث إلى الناس وهم متفرقون في عباداتهم، منهم من يعبد الأولياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، فقاتلهم جميعًا، ولم يفرق بينهم. فالذين يدعون الرسول ﷺ عند قبره، أو يدعون عليًّا، أو يدعون عبد القادر كلهم يعتبرون مشركين ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨﴾ [الجن: 18].
2- ثم قال: ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا﴾ فقرن سبحانه حق الوالدين بحق نفسه الكريمة ولم يكل الإنسان إلى ما يجده في نفسه من الحنان. وفي الحديث: «رِضَا الرَّبِّ في رَضَا الوَالِدَيْنِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ»[168] فيجب أن يعاملهما بالحنان والإحسان والعطف واللطف ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤﴾ [الإسراء: 23-24]. إن من ينسى إحسان الوالدين، وخاصة الأم التي حملته كرهًا، ووضعته كرهًا والتي أخذت تعاني المشاق في رضاعه وتمريضه وتنظيفه، وتسهر الليل كله أو بعضه في سبيل حياته وصحته، حتى يبلغ سن الرشد من عمره، وحتى قيل: إنه لن ينبت عمر إلا وقد أكل عمرًا.
إن من ينسى هذا كله، ثم يعامل والديه بالشدة والقسوة، إنه لرجل سوء، قد كفر نعمة تربية أبويه، وأبدل شكرهما كفرًا. وقد قيل: إن العقوق هو أحد الثكلين، ولرب عقم أقر للعين. «فبرُّوا آباءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ»[169].
3- ثم قال: ﴿وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ أي: وأحسنوا إلى أقاربكم وأرحامكم. والأقارب هم الإخوان والأخوات، والأخوال والخالات، والأعمام والعمات، وأولاد العم والعمة، وأولاد الخال والخالة، وكل مَن يمتُّ إليك بنسب، وفي الحديث: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَثْرَاةٌ فِى الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِى الأَثَرِ»[170] فهـي من الأعمال الميمونة التي تدر على صاحبها بالبركة، وسعة الرزق، والبركة في العمر. وفي الصحيحين، من حديث أنس أن النبي ﷺ قال: «من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُمَدَّ له في عمره، فليصل رحمه». وقد أوجب الله لهم حقًّا في كتابه المبين، فقال سبحانه: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا ٢٦﴾ [الإسراء: 26]. وحسبك أن الله يقول: «أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِى فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ»[171]. ومعنى «وصلته» أي: أوصلت إليه الخيرات، وأنواع البركات، في نفسه ونسله وماله. ومعنى «قطعته» أي: قطعت عنه أسباب الخير والبركة. فالواصل موصول، والقاطع مقطوع.
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه
أنى توجه والمحروم محروم
وصلة الأرحام تكون بإفشاء السلام، والتحفي والإكرام، وبالزيارة بالأقدام، وبإهداء التحف وأنواع الإكرام، كما في الحديث: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»[172]، «فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَسُلُّ السَّخِيمَةَ»[173]، «تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ»[174] «وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا»[175] لكونه يعامل ربه بصلته، ولن يذهب العرف بين الله والناس. 4- ثم قال: ﴿وَٱلۡيَتَٰمَىٰ﴾ أي وأحسنوا إلى اليتامى وهم: من مات أبوهم قبل أن يبلغوا سن الرشد، ولا يُتْمَ بعد البلوغ. فحث سبحانه على الإحسان إلى اليتامى؛ لكون الحاجة والمسكنة تحيط بهم بعد موت أبيهم ومربيهم. و «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ»[176] و «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لا يَمْسَحُهُ إِلا لِلَّهِ؛ فإن له بكل شعرة تمر عليها يده حسنة»[177].
5- ثم قال: ﴿وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾ وهم من أسكنهم الفقر. وفي الصحيح: أن النبي ﷺ قال: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِى لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ»[178] وللسائل حق ولو جاء على فرس، ولو صدق السائل ما أفلح مَن رده.
6- ثم قال: ﴿وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ أي: الجار الرحم. فإن له حق الإسلام، وحق الجوار، وحق الرحم.
7- ثم قال: ﴿وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ﴾ وهو الجار الغريب. فإن كان مسلمًا فإن له حق الجوار وحق الإسلام. وإن كان كافرًا فإن له حق الجوار بأن تحسن مجاورته. والنبي ﷺ قال: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»[179] وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ»[180] وقيل: خير الجيران عند الله خيرهم لجاره. وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه. والنبي ﷺ قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَ يَتَحَوَّلُ»[181] وقد باع قوم عقارهم الغالي في نفوسهم من مضرة جيرانهم، وأنشد:
يلومونني إذ بعت بالرخص منزلي
وما علموا جارًا هناك ينغص
فقلت لهم كفوا الملامة إنها
بجيرانها تغلو الديار وترخص
8- ثم قال: ﴿وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ﴾ وهي الزوجة، فحث على الإحسان إليها، والعطف عليها، واللطف بها، وقال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى»[182] وقد قالوا: النساء يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام. كما سمعت من بعض العوام أنهن ودائع الشجعان، وفرايس الذلان. وقد خطب النبي ﷺ يوم عرفة فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ. فلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَن تَكْرَهُونَ، ولا وَلاَ يَأْذَنَّ فِى بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»[183] ولما قيل للنبي ﷺ: ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال: «أن تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، ولا تقبح - أي لا تقول: قبحكِ الله - وَلا تُقَبِّحْهُ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ»[184] فحرام أن يلعن زوجته، أو يلعن أباها وأمها، أو يقطع نفقته عنها بلا سبب يوجبه منها.
9- ثم قال: ﴿وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ وهو المسافر الذي نفدت نفقته، واحتاج من الصدقة ما يوصله إلى بلده؛ فيعطى من الزكاة الواجبة، والصدقة المستحبة. 10- ثم قال: ﴿وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ﴾ أي: وأحسنوا إلى من ملكت أيمانكم ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
إن هذه هي الحقوق العشرة وهي الغاية في الاتصاف بمكارم الأخلاق. فمن وفقه الله لفعلها فليعلم أنها توفيق من الله له وهداية سيقت إليه، فمن واجبه أن يحافظ على إحسانه بكتمانه، ولا يحبط ثواب عمله بامتنانه؛ فإن الامتنان يبطل ثواب الإحسان، بحيث يقول: فعلت وفعلت. يقول الله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ﴾ [البقرة: 264]. فالمن هو أن يمتن عليه بها، والأذى هو أن يكثر من ذكرها في المجالس، مما يدل على الدناءة وعدم الكرم. وقد جعلوا الامتنان بالإحسان بمثابة الهدم للبنيان، وأنشدوا:
يرب الذي يأتي من الخير إنه
إذا فعل المعروف زاد وتمما
وليس كبان حين تم بناؤه
تتبعه بالنقض حتى تهدما
ولهذا قالوا: يحتاج الإحسان إلى ثلاثة: تعجيله، وتصغيره، وستره؛ أي: بعدم ذكره، كما قيل:
إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى
فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيًا
ثم ختمها بقوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا﴾ [النساء: 36]. أي مختالاً في مِشْيَته، فخورًا على رَحِمِه وعلى الناس بصدقته، متكبرًا على اليتامى والجيران والمساكين، متكبرًا على أهله وزوجته.
فانتبهوا من غفلتكم، وتوبوا من زللكم، وتزودوا من دنياكم لآخرتكم، ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].
* * *
[166] رواه الحاكم من حديث معقل بن يسار وقال: صحيح الإسناد. [167] رواه البخاري من حديث أبي هريرة. [168] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث عبد الله بن عمرو. [169] رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر بإسناد صحيح. [170] أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة، وقال الحاكم: صحيح وأقروه. [171] أخرجه الطبراني من حديث جرير وقد ضُعِّف لضعف أبي مطيع. [172] أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة. [173] أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس. [174] أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة. [175] أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. [176] رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن ماجه من حديث أبي هريرة. [177] رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث حديث أبي أمامة. [178] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [179] رواه البيهقي في السنن الكبرى من حديث عائشة وإسناده صحيح وفيه زيادة. [180] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [181] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [182] رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس، والترمذي من حديث عائشة وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس ومن حديث عائشة. [183] رواه مسلم من حديث جابر. [184] رواه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح وأقروه.