متقدم

فهرس الكتاب

 

(16) حديث «الطهُور شَطر الإيمان...» إلخ

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري أن النبي ﷺ قال: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».

وأقول: إن هذا الحديث عظيم الشأن جليل القدر، جمع مهمات من الحكم والفرائض والفضائل، فهو من جوامع الكلم؛ لأن النبي ﷺ بعث بجوامع الكلم، فكان يجمع الحكم الكثيرة في الكلمات اليسيرة.

بدأ هذا الحديث بقوله: «الطهور شطر الإيمان». يعني بالطهور: التطهر بالماء من حدث أصغر أو جنابة، وجعله شطر الإيمان أي نصفه، لاعتبار أن للإنسان حالتين: حالة يكون متطهرًا، وحالة يكون محدثًا، ثم إن الطهور مفتاح الصلاة، فلا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ. وفُرِضَ ليلة الإسراء مع فرض الصلاة على القول الراجح. وعن علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»[129].

وعن ثوبان أن النبي ﷺ قال: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةَ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ»[130] وقد قيل: إنه من خصائص هذه الأمة لا يشاركهم فيه أحد من الأمم لقول النبي ﷺ: «إني أعرف أمتي من بين سائر الأمم بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء»[131] وسمي وضوءًا: لكونه يكسب الوضاءة والنضرة في سائر الأعضاء، مع تكفيره للخطايا، ثم إنه يكسب الأعضاء نشاطًا، ويطرد النوم والكسل عند القيام للصلاة.

ويشترط طهورية الماء وإباحته؛ بحيث لا يكون مغصوبًا، وإزالة ما يمنع وصول الماء إلى مواضعه من الأعضاء، فيزال الخاتم بتحريكه حتى يصل الماء إلى موضعه، وكذلك الساعة والسوار حتى يصل الماء إلى موضعهما من الأعضاء. وكذلك المرأة، إذا لبدت شيئًا فوق شعر رأسها، فإنه يجب أن تزيله حتى يصل الماء إلى موضعه من رأسها.

وقد جعل الله التيمم طهورًا يقوم مقام الماء عند عدم الماء. يقول الله سبحانه: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُم مِّنۡهُۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ [المائدة: 6] فسماه الله طهورًا وليس من لوازم التيمم السفر، بل يجوز في البلد. فمتى انقطع الماء عن أهل بيت ولم يجدوا ما يتوضؤون به، أو يغتسلون إلا عن طريق سؤال الجيران أعطوهم أو منعوهم، فإنه يجوز لهم أن يتيمموا بضرب التراب مرتين، مرة للوجه ومرة لليدين. ثم يصلون فروضهم ونوافلهم، وصلاتهم صحيحة. فإذا وجدوا الماء، اغتسلوا به عن الجنابة، ولم يعيدوا صلاتهم، لكونها وقعت موقعها في الصحة والإجزاء. فلا إعادة.

ومثله من كان في البلد، والتمس الماء عند حضور وقت الصلاة، فلم يجده فإنه يتيمم. ومثله الطلاب أو الطالبات في المدرسة؛ وقد عدموا الماء، وخافوا فوت الصلاة فإنهم يصلون بالتيمم، وصلاتهم صحيحة لحديث: «الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ»[132].

ثم قال: «والحمد لله تملأ الميزان» فإن الله سبحانه كرر في كتابه نصبه للميزان. والوزن إنما يكون على حسب الأعمال لا على كثافة الأجسام أو نحافتها. قال سبحانه: ﴿فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٢ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فِي جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ ١٠٣ [المؤمنون: 102-103].

فقد ورد أنه يأتي السمين البطين، الأكول الشروب، فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم: ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا ١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ١٠٤ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا ١٠٥ [الكهف: 103-105]. وكان ابن مسعود قصير القامة جدًّا حتى إذا رئِي قائمًا، ظنوه جالسًا. فجلس يومًا مع بعض الصحابة، وبدت ساقه، فضحكوا عجبًا من دقتها. فقال النبي ﷺ: «أتعجبون من دقة ساق ابن مسعود! والله لساق ابن مسعود في الميزان أثقل عند الله من جبل أحد»[133]

وأخبر النبي ﷺ بأن التسبيح والتحميد والتكبير من أثقل ما يُجعل في ميزان العبد، وإن لهن دويًّا حول العرش. وفي البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَن خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَان، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَان: سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ سُبْحَان اللَّه الْعَظِيم»[134]

ولهذا قال:«وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ». لكون التسبيح والتهليل والتكبير، تجعل أجسامنا يوم القيامة على حسب قوة إيمان صاحبها أو ضعفه.

ثم قال: «والصلاة نور» ولا يخفى أن الصلاة عمود الديانة، ورأس الإيمان، وتهدي إلى الفضائل، وتكف عن الرذائل. تذكر بالله العظيم الأكبر، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، تفتح باب الرزق، وتيسر الأمر، وتزيل الهم والغم، وهي من أكبر ما يستعان بها على قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وسعة الرزق في الحياة.

وكان الصحابة إذا حزبهم أمر من أمور الحياة، أو وقعوا في شدة من الشدات، فزعوا إلى الصلاة.

فهي نور المؤمنين في الحياة، كما أنها نور في القبر وعلى الصراط. وقد وصفها رسول الله ﷺ بالنور. كما في قوله: «بَشِّرِ لْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[135] وقال: «خمس صلوات كتبهن الله عليكم ؤ ونجاةً يوم القيامة، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ بئس قرناء السوء»[136].

ولما مر النبي ﷺ على قبر حديث عهد بدفن. فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا قبر فلان التاجر. فقال: «والله لصلاة ركعتين أحب إلى صاحب هذا القبر من الدنيا وما فيها»[137].

ثم قال: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ». والبرهان هو الضياء المشرق. وسميت برهانًا لكونها تبرهن عن إيمان مُخرِجِها، وكونه آثر طاعة ربه على محبة ماله ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٩ [الحشر: 9]. كما سميت صدقة من أجل أنها تصدق وتحقق إيمان مُخرِجِها. والصدقة تطلق على الصدقة المستحبة، وعلى الزكاة الواجبة. كما في قوله سبحانه: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103] فسميت الصدقة الواجبة زكاة من أجل أنها تزكي إيمان مُخرِجِها من الشح والبخل، وتطهره، كما تزكي المال أي تنميه وتُكثِّره وتنزل البركة فيه، حتى في يد وارثه. فما نقصت صدقة مالاً بل تزيده ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ [سبأ: 39] ﴿وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٦ [التغابن: 16]. وفي الحديث: أن النبي ﷺ قال: «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ إِلاَّ وبِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً»[138]

ثم قال: «والصبر ضياء». وأقول: إن الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عما حرم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.

فأعلاه الصبر على طاعة الله؛ لأن ملازمة الطاعات، ومواصلة الأعمال الصالحات؛ يحتاج إلى صبر ومصابرة، يقول الله تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ ٤٥ [البقرة: 45]. وقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٢٠٠ [آل‌عمران: 200]. وقد سمى رسول الله ﷺ انتظار الصلاة بعد الصلاة بالمرابطة. كما سمى شهر رمضان بشهر الصبر، لأن فيه صبرًا على طاعة الله من الصيام والصلاة وصبرًا عما حرم الله من الأكل والشرب والوقاع في نهار رمضان.

وكل الشرائع المفترضة على العباد فإنها تحتاج في أدائها إلى صبر ومصابرة. فالمحافظة على الصلاة في الجماعات بطريق الاستمرار تحتاج إلى صبر، وأداء الزكاة طيبة بها نفسُه، وافدة عليه كل عام تحتاج إلى صبر، وكذا صيام رمضان ونوافله، وبالخصوص في شدة الحر يحتاج إلى صبر، وكذا سائر نوافل العبادات يحتاج إلى صبر ومصابرة. والثاني: الصبر عما حرم الله؛ من الربا والزنا وشرب الخمور، وأكل أموال الناس بالباطل، وقتل النفس بغير حق. فالكف عن كل هذه يعد من الصبر عما حرم الله. وقد قيل: لا تنظر إلى ازدحامهم عند المساجد، ولكن انظر إلى وقوفهم عند الحدود والمحرمات؛ لأن أفعال الطاعات يفعلها البر والفاجر، وأما ترك المحرمات، فلا يتركها إلا صِدِّيق.

وأما الصبر على أقدار الله المؤلمة، فمثل المصائب في الأهل والأولاد، وانتقاص المال أو ذهابه بنزول جائحة فيه. فكل هذه من الصبر على أقدار الله «وإِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى»[139].

وأما قوله: «والقرآن حجة لك أوعليك» فهذا عدل الله في عباده، فإن الله سبحانه أنزل كتبه، وأرسل رسله ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ [النساء: 165]. فالقرآن صادق مصدق، وشافع مشفع، من جعله إمامه فحافظ على فرائضه، واجتنب محارمه، فإنه يقوده إلى الجنة. ومن ترك طاعاته، وارتكب محرماته، فإنه يسوقه إلى النار. لأنه يبعث يوم القيامة كالرجل الشاحب يخاصم أقوامًا ويخاصم دون آخرين، فيقول في حق من حفظ فرائضه، واجتنب حدوده ومحرماته: يا رب حمَّلْتَه إياي، فخير حامل: حفظ حدودي، وحافظ على طاعتي، واجتنب معصيتي. ولم يزل يلقي دونه بالحجج حتى يقال: شأنك به. فيأخذه بيده، ويدخله الجنة. وأما الثاني فيقول: يا رب حمَّلْتَه إياي، فبئس حامل، ضيع فرائضي، وارتكب معصيتي. فلا يزال يلقي عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به. فيكبه على وجهه في نار جهنم.

ولهذا قالوا: ما جالس القرآن أحد قام سالما، بل إمَّا له، وإمَّا عليه.

وإنما نزل القرآن للاعتبار والتدبر، وتوطين النفس على العمل، وهو رسالة من رب العالمين موجهة إلى عباده المؤمنين، فيها الأمر والنهي، والتبشير والتحذير، ومن قرأ القرآن ولم يعمل به، فقد ضرب الله به مثل السوء أي: ﴿كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢا [الجمعة: 5]. أي كتبًا لا يدري ما فيها، كما قيل:
زوامل للأخبار لا علم عندهم
بمتقنها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدى
بأوساقه أو راح ما في الغرائر
ورُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.

ثم قال: «كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها». إن الناس كلهم لا يخرجون عن هذين الوصفين منهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة، يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٢٠٧ [البقرة: 207]. وبضده قوله: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ٢٠٦ [البقرة: 204-206]. لأن سعْيَ الناس شتَّى، منهم من يعمل بعمل أهل الجنة، ومنهم من يعمل بعمل أهل النار.
وللخير أهل يُعرفون بهديهم
إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع
وللشـر أهل يُعرفون بشكلهم
تشير إليهم بالفجور الأصابع
وعند نشر صحائف الأعمال يوم القيامة يقول الله تعالى: «يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ»[140].

فانتبهوا من غفلتكم، وحافظوا على فرائض ربكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

[129] رواه أبو داود والترمذي والدارمي. ورواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد. [130] رواه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث حديث ثوبان مولى المصطفى ﷺ، والبيهقي في الشعب والطبراني في الكبير من حديث ابن عمرو بن العاص. والطبراني في الكبير من حديث سلمة بن الأكوع. قال المنذري: إسناد ابن ماجه صحيح. وقال الرافعي: حديث ثابت. [131] أخرجه مسلم وابن حبان من حديث أبي هريرة. [132] رواه البزار من حديث أبي هريرة، وإسناده صحيح. [133] أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن مسعود. [134] واللفظ للبخاري. [135] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث غريب. [136] رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمرو. [137] رواه المنذري عن الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، وقال: إسناده حسن. [138] رواه الطيالسي والإمام أحمد من حديث أبي الدرداء، ورواه ابن حبان والحاكم. [139] متفق عليه من حديث أنس بن مالك. [140] رواه مسلم من حديث أبي ذر عن رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه.