(14) وجُوب الإيمان بما أخبَرَ به القرآن من مُعجزات الأنبيَاء عليهم الصّلاة والسّلام
الحمد لله، ونستعين بالله، ونصلي ونسلم على رسول الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ.
أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «مَا مِنَ نَبِى إِلاَّ قَدْ أُوتي مِنَ الآيَاتِ به الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
والآيات والمعجزات تعم كل خارق للعادات، وتسمى البراهين. وهي كاسمها معجزة لعجز الناس عن معارضتها والإتيان بمثلها. فمعجزات الأنبياء هي آياتهم وبراهينهم الدالة على صدق نبوتهم، نصبها الله علامة على صدق رسله، والاستدعاء إلى الإيمان بهم وقبول دعوتهم. وأنها من صنع الله القادر على كل شيء، والفعال لما يريد. ليست من صنع النبي ولا من كسبه. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [الرعد: 38] فالعصا التي بيد نبي الله موسى هي عصًا مقطوعة من الشجر كعصا أحدنا في يده، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ ١٧ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مََٔارِبُ أُخۡرَىٰ ١٨﴾ [طه: 17-18]. وإنما صارت آية ومعجزة حين أمره ربه أن يلقيها، ولهذا قال: ﴿قَالَ أَلۡقِهَا يَٰمُوسَىٰ ١٩ فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ ٢٠ قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ ٢١﴾ [طه: 19-21] أي عصًا معتادة كحالتها السابقة.
وإن المسلم متى آمن بالله القادر على كل شيء لم يعسر عليه التسليم والقبول بكل ما أخبر الله به من عجائب رسله، ومعجزات خلقه، كخلق آدم من تراب، ثم قال له: كن. فكان، فصار بشرًا سويًّا. ثم خلق حواء من ضلع آدم. ثم خلق المسيح من أم بلا أب. وكذا سائر معجزات الأنبياء والأولياء، كأهل الكهف الذين قص الله علينا خبرهم. إذ لا بد للرسل من المعجزات التي تعزز دينهم، وتستدعي تصديق دعوتهم، فقد أتت الرسل بما تحار فيه العقول.
ولولا حكاية القرآن للمعجزات التي أيد الله بها موسى وعيسى وسليمان وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكذب الناس بهم وبمعجزاتهم، وبالكتب النازلة عليهم. وأنه لا يمكن إثبات آيات الأنبياء السابقين، إلا بثبوت نبوة محمد ﷺ، والإيمان بالقرآن النازل عليه الذي أخبر الله فيه: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧﴾ [النمل: 76-77] وقال: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ ٣﴾ [يوسف: 3]. وقال: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١١١﴾ [يوسف: 111]. وقال: ﴿كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرٗا ٩٩ مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُۥ يَحۡمِلُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وِزۡرًا ١٠٠﴾ [طه: 99-100] وقال: ﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ ٤٩﴾ [هود: 49]
إن من آيات الله ما يجري على حسب السنن المطردة في الخلق والتكوين.
ومنها ما يجري على خلاف السنن المعروفة للبشر، مما يدل على قدرة الباري. وإن لله سبحانه خرق العادات في خلقه ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢﴾ [يس: 82]. فقد أتت الرسل بما تحار فيه العقول.
إن الناس في المعجزات وفي الأمور المغيبات على قسمين:
أحدهما: الماديون الطبيعيون الذين ينكرون ويكذبون بكل ما لم يدركوه بحواسهم، فهم ينكرون وجود الرب، ويكذبون بالملائكة، ويكذبون بالبعث بعد الموت، ويكذبون بالجنة والنار، ويبادرون إلى إنكار ما سمعوه من الخوارق والمعجزات التي لم يصلوا إلى حقيقة العلم بها، وفيهم أنزل الله: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩ وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤٠ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيُٓٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٤١﴾ [يونس: 39-41].
فهذا دأبهم في جميع نظرياتهم العلمية، يكفرون بآيات الله، ويكفرون ويكذبون بمعجزات الأنبياء، ولا يؤمنون بشيء منها. فهؤلاء يعتبرون مرتدين عن دين الإسلام إذا كانوا يتسمون بأنهم مسلمون. والمرتد شر من الكافر الأصلي، وقد كثر هذا الصنف في الأمصار التي أفسد التفرنج تربية أهلها بما يسمون بالمثقفين. عُمْيُ القلوب عموا عن كل فائدة لأنهم كفروا بالله تقليدا أما الصنف الثاني: فهم المؤمنون الذين يصدقون بكل ما أخبر الله به تصديقًا جازمًا ليس مشوبًا بشك ولا ريب، سواء أدركوا سر معرفة ذلك بعقولهم أو لم يدركوه. فهؤلاء هم المؤمنون حقًّا، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. وفيهم أنزل الله: ﴿الٓمٓ ١ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥﴾ [البقرة: 1-5].
والمعجزة، إنما كانت آية ومعجزة لوقوعها من فعل الله ليس للنبي ولا لغيره تصرُّف في صنعها أو كسبها. والحكمة في ذلك أن مجرد قول الرسول ﷺ لأمته: إن الله أرسلني إليكم. بدون أن يأتي بآية تصدق ما يقول، فإن ذلك مما يقتضي عدم تصديقه ولا الإيمان به، لكنه متى أتى بآية ومعجزة ليست من صنعه ولا من كسبه ولا من الشيء المعتاد لغيره، ويمتنع أن يأتي من يعارضه بمثلها دل هذا على صدقه وصحة نبوته. وسميت معجزة، لكون الناس يعجزون عن معارضتها والإتيان بمثلها. وآيات الأنبياء هي علامات وبراهين من الله تتضمن إعلام الله لعباده بصدق رسله، وما جاؤوا به من الحق.
وقد سماه الله برهانًا في قوله تعالى: ﴿فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ﴾ [القصص: 32] يعني العصا واليد. ومن المعجزات إخبار القرآن النازل على محمد عليه الصلاة والسلام بقصص الأنبياء مع أممهم، وبمعجزاتهم وخوارق العادات التي أيدهم الله بها، وتكرار القرآن لأخبارهم، تارة بطريق البسط، وتارة بطريق الاختصار غير المخل.
ولأن اليهود والنصارى قد بدلوا الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل، وغيَّروها، وأدخلوا فيها الشيء الكثير من الكذب على الله وعلى أنبيائه ورسله، يقول الله سبحانه: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ ٧٩﴾ [البقرة: 79] وكانوا يجيزون لعلمائهم القسيسين بأن يغيروا من شريعة الرب ما يشاؤون ويشتهون، لأنهم: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 31].
ولما كان هذا القرآن هو المهيمن على الكتب السابقة، وبمثابة المصحح المصفي لما ذُكِرَ فيها؛ فيحق الحق ويبطل الباطل؛ لهذا أعاد سبحانه وأبدى من ذكر قصص الأنبياء ومعجزاتهم، ليكون هذا القرآن هو المرجع الوحيد لكل ما يذكر من قصصهم ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧﴾ [النمل: 76-77] ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٩﴾ [المائدة: 19]. ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ١٥ يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ١٦﴾ [المائدة: 15-16] لأن الله سبحانه أرسل نبيه محمدًا إلى كافة الناس عربهم وعجمهم. يقول الله سبحانه: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢٨﴾ [سبأ: 28] وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 157-158]. فكل قصة نجدها تخالف القرآن يجب علينا أن نضرب بها عرض الجدار، إذ ليس لنا حاجة في كل ما يخالف القرآن؛ لعدم الثقة بصحته وكثرة دخول الكذب فيه.
ثم إن الإخبار بالآيات والمعجزات والمغيبات؛ لا يجوز معارضتها بالعقل والرأي لأنها من صنع الله القادر على كل شيء؛ وليس من صنع النبي ولا من كسبه. فالاستدلال بها والتحدي بمثلها مع عجز الناس عن معارضتها دليل واضح على صحتها، وصدق مَنْ جاء بها.
من ذلك معجزة القرآن النازل على محمد عليه الصلاة والسلام، والذي هو الحجة البالغة العظمى على خلقه. فهو معجزة الدهور، وآية العصور، وسفر السعادة، ودستور العدالة، وقانون الفضيلة، والواقي عن الرذيلة. مأدبة الله في أرضه، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يَخْلَقُ على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد، فيه خبر الأمم السابقة مع أنبيائهم، وما جرى منهم، وما جرى عليهم ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧﴾ [النمل: 76-77].
فيا لها من آيات حق لو اهتدى
بهن مريد الحق كن هواديا
ولكن على تلك القلوب أكنة
فليست وإن أصغت تجيب المناديا
وهذا القرآن المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة؛ منها السور الطوال والقصار، مع ما اشتمل عليه من البلاغة؛ أنزله الله على هذا النبي العربي الأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوبات، وكما قيل: كفاك بالأمي معجزة. يقول الله سبحانه: ﴿وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ٤٨ بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ ٤٩﴾ [العنكبوت: 48-49]. وقد تحدى الله جميع الخلق على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ٨٨﴾ [الإسراء: 88] وهذا التحدي لجميع الخلق؛ هو أعظم معجزة لنبوة محمد ﷺ، وصِدْق رسالته والقرآن النازل عليه. يقول الله سبحانه: ﴿وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ ٤٤ لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ٤٦﴾ [الحاقة: 44-46] لا يقال: إن هذا القرآن فاض على نفس محمد ﷺ بدون أن يتكلم الله به، وبدون أن ينزل به جبريل عليه السلام! فإن هذا صريح في التكذيب به. وهي مقالة الوحيد العنيد القائل: ﴿إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ ٢٥﴾ [المدثر: 25] ﴿وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا ٥ قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٦﴾ [الفرقان: 5-6] ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ١٠٢﴾ [النحل: 102].
وللنبي ﷺ معجزات غيره: كنبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل، وغير ذلك. والمعجزة العظمى هي القرآن فهو معجزة الدهور وآيات العصور. ولكل نبي معجزة تناسب حالة قومه. وقد أيد الله موسى بمعجزات عديدة من أجل أَنه أُرسِل إلى شعب عنيد: فرعون وهامان وقارون. يقول الله سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ ٢٣ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُواْ سَٰحِرٞ كَذَّابٞ ٢٤﴾ [غافر: 23-24] وقال: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ﴾ [الإسراء: 101]. وهي: اليد، والعصا، والحجر الذي يحمله ثم يضربه بالعصا فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كل أناس مشربهم على قدر عدد الأسباط. وكذلك انفلاق البحر حينما لحقهم فرعون وجنوده ﴿قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ٦١ قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ٦٢ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ٦٣﴾ [الشعراء: 61-63] أي كالجبل الشامخ.
ومثله معجزات نبي الله سليمان، حيث سخر الله له الريح تجري بأمره رُخاء حيث أصاب. فكان يبسط البسط، فيركب هو وجميع جنوده ومَن معه فتُقِلُّهم الريح ﴿غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞ﴾ [سبأ: 12].
ومثله معجزة نبي الله صالح، حيث أخرج الله له ناقة من صخرة صماء، ﴿لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ﴾ [الشعراء: 155]. ﴿هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾[111] [الأعراف: 73].
ومثله نبي الله عيسى، حيث كان يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويبين للناس ما يدخرون في بيوتهم.
وهذه المعجزات، يصدق بها أهل الكتاب من اليهود والنصارى لكونها مذكورة في كتبهم، ومشهورة مشهود بها فيما بينهم. ولما قيل للنبي ﷺ: إن اليهود يصومون يوم عاشوراء ويقولون: إنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه. قال: «نحن أحق وأولى بموسى، صُومُوا يَوْمًا قَبْله، أَوْ يَوْمًا بَعْده، خَالِفُوا الْيَهُود»[112].
فالعلم بهذه المعجزات والبراهين البينات، يوجب علمًا ضروريًّا بأن الله جعلها آية لصدق أنبيائه ورسله الذين جاؤوا بها من الله، واستدلوا بها على قومهم. وذلك يستلزم أنها خارقة للعادة، وأنه لا يمكن معارضتها، ولا الإتيان بمثلها؛ لكونها غير مصنوعة ولا من كسبهم ولا معتادة لغيرهم، ولهذا كانوا يعارضون معجزة كل نبي بدعوى أنه ساحر كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوۡاْ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ ٥٣﴾ [الذاريات: 52-53]. أي كان بعضهم يوصي بعضًا بهذه المقالة. وإنما هي من الله عز وجل أعلم الله بها عباده بصدق رسله وكتبه. ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [غافر: 78].
فخوارق السحرة والكهان المشعوذين، هي من الأمور المعتادة المشتركة التي يفعلها الكثير من الناس. وبالتحقيق فيها سرعان ما يتبين بطلانها. وما ابتلي الناس به من الشرك والكفر وعبادة الأصنام، إلا من أجل إعراضهم عن هداية الأنبياء، وعدم الإيمان بهم، واعتمادهم على آرائهم وعقولهم.
إن المسلم متى آمن بالله القادر على كل شيء، فإنه لن يعسر عليه التسليم بكل ما أخبر الله في كتابه من العجائب كعجيبة خلْق آدم من تراب، ثم خلْق حواء من ضلع آدم، وخلْق المسيح من أم بلا أب. إذ لابد للرسل من العجائب؛ لتعزيز دينهم، وتصديق دعوتهم. ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد الله بها موسى وعيسى لكذب الناس بهما وبمعجزاتهما وبالكتب النازلة عليهما. إنه لا يمكن إثبات آيات النبيين السابقين إلا بثبوت نبوة محمد ﷺ، والتصديق بهذا القرآن النازل عليه، الذي: ﴿يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧﴾ [النمل: 76-77].
فإن من آيات الله ما يجري على سنته العامة المطردة في الخلق والتكوين، ومنها ما يجري على خلاف السنن المعروفة للبشر. مما يدل على قدرته على كل شيء، وأنه فعال لما يريد. وأن لله سبحانه خْرق العادات. فالماديون الملحدون المنكرون لوجود الخالق وقدرته التامة يبادرون بإنكار ما يسمعونه من الخوارق والمعجزات الذين لم يصلوا إلى حقيقة العلم بها، أو يتكلفون التأويلات البعيدة لكل ما يرونه مخالفًا لسنته المعروفة. كما قال تعالى: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩﴾ [يونس: 39] وهذا دأبهم في جميع نظرياتهم العلمية. فهم يكفرون بآيات الله، ويكذبون بها كلها، ولا يؤمنون بشيء منها. فتراهم يكذبون بكل ما غاب عن أبصارهم، وبكل ما لم يحيطوا بعلمه. فيكذبون بوجود الرب وبالملائكة وبالجنة والنار. فإفساد هؤلاء الفلاسفة الملاحدة للبشر في أمر دينهم ودنياهم أشد من إفساد النار لهشيم الحطب؛ لزعمهم أن الأنبياء يكذبون على الناس، ويحدثون الناس بما لا حقيقة له، وأنهم يتصرفون بما يخالف السنن والنواميس ﴿وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ ٢٧﴾ [ص: 27]. فكذبوا بالدين من أساسه، وكذبوا بالكتاب، وبما أرسل الله به رسله. وهذا يعد من أشد أنواع الكفر بالله؛ لأن ضرره يتعدى بما فيه من إضلال الناس باعتقاد هذا الباطل الذي يتبعه خروج الناس عن الدين، ويبقون فوضى حيارى لا دين لهم. فمتى جهر هؤلاء باعتقادهم في بلادهم، فإنها لَفتنةٌ في الأرض وفساد كبير، فإن الجهر بالكفر والإلحاد، هو جرثومة الفساد، وخراب البلاد، وفساد أخلاق العباد.
أما وظائف الرسل: فإنهم بشر، اختصهم الله بالحق؛ لتبليغ عباده ما ارتضاه لهم من الدين بالقول والعمل، وبالتعليم والإرشاد، تبشيرًا وإنذارًا، وتنفيذ أحكام شرعه فيهم بالعدل والمساواة، ولم يؤتهم التصرف في خلقه بهداية أقرب الناس إليهم، وأحبهم إليهم من والد وولد والناس أجمعين. فوالد إبراهيم عاش كافرًا، ومات كافرًا، وولد نوح أول رسل الله إلى خلقه مات كافرًا، ولم يأذن الله لنوح بحمله معه في السفينة، فكان من المغرقين. وكان أبو لهب عم رسول الله ﷺ من أشد أعدائه المؤذين له، والصادين عن دينه، وأنزل الله في ذمه ووعيده سورة من القرآن يتعبد المؤمنون بقراءتها إلى يوم القيامة. وعمه أبو طالب الذي كفله ورباه، وكف عنه أذى المشركين، واعترف بصدق نبوته ولما قال له عند الاحتضار: «أَىْ عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»[113] فامتنع ومات على ملة عبد المطلب فأنزل الله ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ﴾ [القصص: 56] ونهي أن يستغفر له فقال: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ١١٣﴾ [التوبة: 113] لأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. والمقصود أن معجزات الأنبياء كلها من الله لا من كسب الأنبياء ولا من تصرفهم، كما نطق به القرآن الكريم في قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بَِٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾ [الرعد: 38].
وأن الله سبحانه لم يؤيد رسله بما أيدهم به من المعجزات إلا لتكون حجة لهم على قومهم، بحيث يهتدي بها المستعد للهداية منهم، وتحق بها كلمة العذاب على الجاحدين ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٩٦ وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٩٧﴾ [يونس: 96-97].
إن الثابت من معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء كأهل الكهف وغيرهم فما كانت دلالته من النصوص القرآنية، فإنها تعتبر قطعية لا مجال للرأي في إنكارها، ولا صرفها بمجرد التحكم والتأويل عن المعنى المراد منها. فقد أتت الرسل بمحارات العقول، فالتكذيب بها يعتبر نقضًا لقواعد الشريعة المعتبرة القطعية، ويعتبر ارتدادًا عن الإسلام ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩﴾ [يونس: 39].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه يجب على كل مسلم التصديق بما أخبر الله ورسوله، وأنه ليس موقوفًا على أن يقوم دليل عقلي على ذلك الأمر أو النهي أو الخبر. فإن مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الله إذا أخبر في القرآن بشيء، أو أن الرسول إذا أخبر بشيء فإنه يجب علينا التصديق به، وإن لم نعلم بعقولنا حكمته. ومن لم يقر بما جاء عن الله ورسوله حتى يعلم بعقله فقد أشبه الذين قالوا: ﴿لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ﴾ [الأنعام: 124] ومن سلك هذا السبيل، فليس بالحقيقة مؤمنًا بالقرآن ولا بالرسول، ولا متلقيًا عنه الأخبار بالقبول، ولا فرق عنده بين أن يخبر القرآن أو الرسول بشيء أو لا يخبر به. فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به، بل يتأوله أو يفوضه. وما لم يخبر به إن علمه بعقله آمن به، ولا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود القرآن والرسول، وبين عدم وجودهما. ويصير ما يذكر من القرآن والحديث والإجماع عديم الأثر عنده. انتهى.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
* * *
[111] وأما الآيتان؛ 155-156 من سورة الشعراء فهي: ﴿قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ١٥٥ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَظِيمٖ١٥٦﴾. [112] أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ بلفظ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاء - وَخَالِفُوا الْيَهُود فَصُومُوا قَبْله يَوْمًا وَبَعْده يَوْمًا» وجاء في رواية: «أو بعده». [113] متفق عليه من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حزن.