متقدم

فهرس الكتاب

 

[وقفة مع كتاب نقض المباني في فتوى اليماني لسليمان بن عبد الرحمن بن حمدان و الرد عليه في ستة عشر فصلا]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.

أما بعد:

فإنني وقفت على كتاب صغير عنوانه: نقض المباني في فتوى اليماني معزوًّا إلى مؤلفه سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان.

حاصله الرد على صاحب رسالة المقام الذي هو عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. وبعد الحصول على الرسالة والنظر فيما تقتضيه من الدلالة، وجدتها رسالة وجيزة سماها مقام إبراهيم وهل يجوز تأخيره عن موضعه عند الحاجة لتوسيع المطاف، وساق فيها ما عسى أن يقال من حجج المانع والمقتضي بعبارات تتقلب مع الحق وبلسان يتحلى بالصدق حسبما ظهر لي من قوله، ولا أزكيه عند ربه، يعزو كل أثر إلى راويه مع بيان علله ومنافيه حسبما تقتضيه أمانة الرواية وثقة الدراية، وقد رجح جواز تحويله عن محله إلى محل قريب منه رفقًا بالناس، وكما سبق نظير هذا العمل من فعل عمر بطريق القياس وإجماع الصحابة الأكياس، وحاصل ما أورده مما عزاه وأسنده من الآثار الضعيفة والجيدة، وما نزع إليه بموجب اجتهاده وأيده فإنه من الأمر الجلي الواضح إن لم يكن للصواب فيه ملمح ففيه للاجتهاد مسرح.

ثم إن سليمان بن حمدان حمل عليه حملة الصائل السكران فأنحى عليه بالملام وتوجيه المذام، حتى كاد أن يخرجه عن دائرة الإسلام بعبارات كلها تقتضي الجنف والجفا وتنافي الإنصاف والحفا، قد جعل فيها الجد عبثًا والتبر خبثًا والصحيح سقيمًا والضعيف المعلول مستقيمًا، وفيه الشيء الكثير من الهذر والهذيان والزور والبهتان والتدليس والكتمان ما يستبعد وقوعه من مثل هذا الإنسان.

كل هذا قد استباح عرضه في سبيل نصر رأيه وإعلاء كلمته، وقد سار في نقضه على سنة سيئة من أمره وهي أن يأخذ من أقوال بعض المؤرخين غير المشهورين بالعلم والفقه والحديث، بل ولا بالثقة كالأزرقي وابن فهد وابن سراقة العامري وابن فضل الله المعري وابن جبير ومن الدر المنثور للسيوطي وأمثاله، فيأخذ من أقوال هؤلاء ما يوافق مذاقه ويجعلها قضايا مسلمة وأصولاً معتمدة ويلتمس الدلائل الضعيفة لإثباتها وإبطال ما خالفها.

فساءني والله سوء ما أورده وفساد ما تورطه، إذ قد يغتر به من نظر فيه من جهلة العوام أو بعض من لم يتحقق في رسالة المقام من علماء الإسلام فيظنون أنه قد رسم لهم الصواب بتحقيقه وكشف لهم الباطل بتشديقه، ومن يغترب يحسب عدوًّا صديقه.

وبما أن النصح من واجبات الإسلام، ونصر الحق واجب باليد واللسان، والمسلم للمسلم كالبنيان ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ [المائدة: 2]. فلأجله أحببت أن أشير في هذا الحجم الصغير إلى ما اشتمل عليه النقض من المجازفة في التعبير، والخطأ الواضح في التفسير، سامحه الله عما اقترفه من التحريف والتبديل، ومن الإفراط والتقصير إذ ليس كل ناقد بصير سوى الله الذي لا معقب لحكمه نعم المولى ونعم النصير.

* * *