[سؤال عن قول عمر رضي الله عنه: الغناء زاد المسافر. والجواب عنه]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سؤال وُجه إليّ عن قول عمر رضي الله عنه: الغناء زاد المسافر. هل هذا القول صحيح عنه أو غير صحيح؟ والجواب يُعرف مما يلي:
إننا لسنا من المقلّدين لأحد في قول يقوله ويرتضيه وإنما نبحث عن الحق في مظانه ثم نقول به، وقول عمر هذا: الغناء زاد المسافر. لم نقف على سنده، وعلى فرض صحته أو عدم صحته فإن الغناء للمسافر مباح وليس بحرام، بل الغناء كله مباح للمسافر وغير المسافر، وضرب الطبل عليه كله مباح، إلا إذا صَدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة، أو شجع على انتهاك المحرمات أو شرب المسكرات، وماعدا ذلك فإنه مباح بلا شك، لأنه من لهو الدنيا الذي ذكره الله في كتابه بقوله: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ﴾ [الحديد: 20] ونظيره قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗا﴾ [الجمعة: 11] وهذا اللهو الذي ذكره الله هو أن دحية بن خليفة الكلبي لما قدم بالعير من الشام أخذوا يضربون بالدف ليعلموا الناس بوصول العير.
وقد قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: إن الناس في مزاولتهم للأعمال الثقيلة يتروحون بالغناء ويستريحون به، لكونه يخفّف عنهم الآلام ويلطّف لهم المشاق العظام، حتى إنه ليُنسيهم الشراب والطعام، كما قيل:
لها أحاديث من ذِكراك تشغلها
عن الشـراب وتُلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضـيء به
عند المسير وفي أعقابها حادي
إذا اشتكت من كلال السير أوعدها
روح القدوم فتحيا عند ميعادي
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم عند بنائهم لمسجد النبي ﷺ يغنون ويرتجزون بقولهم:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدَّقنا ولا صلينا
فأنزِلنْ سكينة علينا
وثبتِ الأقدام إنْ لاقينا
إن الألى لقد بغوْا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
يرفعون بذلك أصواتهم أبينا... أبينا. وأحيانًا يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا
ورسول الله يجيبهم بقوله:
«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ، وَالْمُهَاجِرَةِ».
وهذا ليس بشعر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓ﴾ [يس: 69] وإنما هي كلمة جرت على لسانه لم يقصد بها شعرًا، ومن شرط الشعر أن يكون مقصودًا. ومثله قوله: «هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ».
فقول عمر رضي الله عنه: إن الغناء زاد المسافر. ليس بإثم، ورسول الله كان له حادٍ يحدو بالإبل- أي يُغني بها لتنشط- فهذا وأمثاله مباح بلا شك، وكان عبد الله بن رواحة يحدو بالجيش عند دخول رسول الله ﷺ مكة ويقول في حداه:
خلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نضـربكم على تنزيله
ضربًا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
وجاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه في خصومة فقال لها:
إن النساء شياطين خُلقن لنا
نعوذ بالله من شر الشياطين
فقالت له المرأة: لا، إن الشاعر لم يقل بهذا وإنما قال:
إن النساء رياحين خلقن لكم
فكلكم يَشتهي شمَّ الرياحين
وكان رضي الله عنه يَعُس بالمدينة بالليل فسمع امرأة تنشد وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه
وأَرّقني ألَّا خليل أُلاعبه
ألاعبه طورًا وطورًا كأنما
بَدا قمرًا في ظلمة الليل حاجبه
فوالله لولا الله لا ربَّ غيره
لحرك من هذا السـرير جوانبه
مخافة ربي و الحياء يصونني
وحِفظًا لبعلي أن تُنال مراكبُه
إن بعض الملوك يولعون بمحبة الغناء وضرب الدف عليه خاصة في السمر بالعشاء، وممن نُسب إليه ذلك هارون الرشيد، ويترجح عندي أن إلصاق هذه التهمة به ليست بصحيحة ولا صريحة، لكونه قد قسم الزمان شطرين: عام للغزو وعام للحج، وما كان كذلك فإنه يَبْعُد أن يشتغل بالغناء الذي هو معدود من الفضول، وعلى فرض صحة نسبته إليه فإن هذا من اللهو اليسير الذي لا يتمحض لإحباط حسناته، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وفي فتح مكة لما قدم رسول ﷺ خرجت النساء والرجال والصبيان وجعل النساء يصرخن ويبكين خوفًا على أزواجهن وأولادهن، وكنَّ يضربن وجوه الخيل بخمرهن، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك لأبي بكر: هل قال حسان في مثل هذا شيئًا؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: «ما قال؟» فأنشد:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقعَ موعدها كداءُ
ينازعن الأعنّة مصغياتٍ
على أكتافها الأسل[142] الظماءُ
تظل جيادنا متمطرات
يُلطّمهن بالخمر النساء
وقد اشتهر أهل المدينة بمحبتهم للغناء كما حكاه عنهم أبو الفرج الأصبهاني، وكانوا كثيرًا ما يتغنون بشعر جبلة بن الأيهم الغسّاني لكونه من الحنين إلى الوطن؛ لأن أكثر المغنيات هن من السبايا، وقصة جبلة بن الأيهم هي أن الغساسنة وهم ملوك الشام في قديم الزمان، لكنهم كانوا تحت سلطة النصارى، ولما تدفقت جحافل الصحابة على بلاد الشام ومصر والعراق وسائر البلدان وأجلوا النصارى، دخل جبلة بن الأيهم في الإسلام علانية فحج زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعند الطواف بالبيت وطئ إزارَه رجلٌ من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف الفزاري، فشكاه إلى عمر، فقال له عمر: ما حملك على ذلك؟ القصاص بينكما. فقال له جبلة: أيقتص من الأشراف للسوقة؟ فقال له عمر: نعم، ساوى بينكما الإسلام. فقال: أمهلني حتى أعود. فقال: قد أمهلتك؟ فقام جبلة وأمر أصحابه بأن يشدوا على رحالهم، ورجع إلى بلده ففعلوا، فترك الحج عام ذلك، فندم أشد الندم وأنشد أبياته الشهيرة وهي:
تَنصَّرتِ الأشراف من عار لطمة
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنّفني منها لجاج ونخوة
فبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني
ثويت أسيرًا في ربيعة أو مضر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة
أجالس قومي بالعشيات والبكر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة
أجالس قومي عادم السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة
ولم أنكر القول الذي قال لي عمر
ولما بلغ عمر هذه الأبيات وجّه إليه رجلاً من أصحابه وهو جثامة بن مساحق الكناني، فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر أجاب إلى كل شيء سوى الإسلام[143].
وحاصل القول في الغناء أنه كلام مقتبس من الشعر، ويتمشى على طريقة الشعر، كما قال النبي ﷺ في الشعر: «إِنَّهُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيْحُهُ قَبِيْحٌ»[144] وهكذا الغناء، وقد قال رسول الله: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» متفق عليه. وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً».
وكان النبي ﷺ ينصب لحسان بن ثابت منبرًا في المسجد ينافح فيه عن الله ورسوله، ويقول: «اهجهم يا حسان، فإن شعرك أشد عليهم من رشق النبل»[145]، والله تعالى يقول: ﴿وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ ٢٢٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ ٢٢٦ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ﴾ [الشعراء: 224-227].
فالشعر بما أنه يُمدح من جهة أحيانًا ويذم أحيانًا فكذلك الغناء نفس الشيء، والأصل فيه الإباحة، لكن بعض العوام يغلطون في إباحته، ويغالون بالقول بتحريمه عندما يسمعون أن رجلاً من الذين يدّعون أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر سمع رجلاً يغني وهو يعمل عند السواني - أي الإبل التي يعمل عليها قبل حفر الآبار بالآلات- فلما سمع الغناء نزل عليه في ناحية عمله وأخذ يضربه ضربًا شنيعًا حتى فقأ عينه، وما فعله هذا فإنه عين المنكر البعيد عن المعروف، وفي هذا الزمان وفي بعض البلدان نجد من يعيب على الناس ضرب الدف في العرس، وهذا من نتيجة الجهل، فإن ضرب الدف والغناء في العرس سنة، لقول النبي ﷺ: «فَرق مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ»[146]. وقال: «أعلنوا النكاح واضربوا فيه بالدف»[147] ولما جهزت عائشة ابنة يتيمة عندها إلى زوجها سألها رسول الله: «كيف صنعتم؟» فقالت: سلمناها إلى زوجها، ودعونا لهما بالبركة، ثم رجعنا. فقال: «هلَّا استصحبتم معكم دُفًّا فإن الأنصار يعجبهم اللهو، وقلتم:
أتيناكم أتيناكم
وحيّانا وحيّاكم
ولولا الذهب الأحمـ
ـر وما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا
لـما سمنت عذاريكم
فهذا كله من الشعر المباح، أو من الغناء المباح، وحسبك إجازة الرسول ﷺ له. وقد أدخلت الصوفية الغناء في ضمن الزهديات، فكانوا يرقصون عند سماعه ويتساقطون، وهم الذين عنى الشاعر بقوله:
تُلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة
لكنّه إطراق ساهٍ لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا
تالله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن
فمتى رأيت عبادة بملاهي
فهؤلاء من الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا؛ لأنها لا تجتمع محبة الله وعبادته وشكره وذكره مع محبة الغناء والرقص والتساقط من وجده، كما قيل:
حب القران وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه وإن نقل عن أهل المدينة وغيرهم استعمالهم للغناء واستحبابهم له فلم يقل أحد من علمائهم أنه مستحب في الدين ومختار في الشرع أصلاً، بل كان فاعل ذلك يرى مع ذلك كراهته، وأن تركه أفضل، أو يرى أنه من الذنوب، وغايته أن يطلب سلامته من الإثم، أو يراه مباحًا.
أما الغناء الذي يتمحض في الزهد أي لا يفضي إلى الوجد ولا الرقص ولا التساقط من أجله فهذا لا بأس به كقولهم:
يا غاديًا في غفلة ورائحا
إلى متى تستحسن القبائحا
وكم إلى كم لا تخاف موقفا
يستنطق الله به الجوارحا
يا عجبًا منك وأنت مبصر
كيف تجنبت الطريق الواضحا
وسأل الإمامَ أحمد رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله هذه القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار أي شيء تقول فيها؟ فقال: مثل أي شيء. قال: يقولون:
إذا ما قال لي ربي
أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي
وبالعصيان تأتيني
فقال: فدخل بيته ورد الباب، فسمعت نحيبه من داخل البيت يردد وهو يقول هذه الأشعار. ومثله الغناء الذي يهيج الحزن ويدعو إلى الندب وتعداد محاسن الميت، فهو عين النياحة المحرمة، ولا يوجد مثل هذا المكروه في زماننا أو بلداننا.
وسُمي الغناء غناءً من أجل تحسين الصوت به، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» رواه البخاري، ومثله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ - أي استمع - مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ». متفق عليه.
ولما استمع النبي ﷺ إلى أبي موسى الأشعري أعجبته قراءته، وقال: «لَقَدْ أُوتِىَ أَبُو مُوسَى مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»[148] وقد قيل:
تغنَّ بالشعر إذا ما كنت قائله
إن الغناء لهذا الشعر مضمار
وصنف أبو الفرج الأصبهاني كتابًا سماه الأغاني وهو كتاب واسع العلم والمعرفة، يشتمل على فنون من التاريخ والسير وسائر العلوم المختلفة، لكن تسميته بالأغاني حطت من قدره عند الناس، لكون أكثر الناس يعتقدون التحريم للأغاني كلها تقليدًا بدون بصيرة وبدون فرقٍ بين النافع والضار. وطريقة أبي الفرج الأصبهاني في كتابه أنه يأخذ بيتًا أو بيتين فيجعلهما ميزانًا للغناء، وربما ضربوا الدفوف على التغني بهما أو بأحدهما، والغناء على إطلاقه يشتمل على النافع وعلى الضار، مثل ما قال النبي ﷺ في الشعر: «إِنَّهُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيْحُهُ قَبِيْحٌ»[149].
وقال العلامة ابن الجوزي: اعلمْ أن سماع الغناء يجمع شيئين: أحدهما: أنه يلهي القلب عن الذكر والصلاة وعن التفكير في عظمة الله والقيام بخدمته، والثاني: يميل صاحبه إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية وأعظمها النكاح.
فهذا هو الغناء المذموم، لكن قسمًا منه وهو الأكثر مباح، وهو غناء الحداة، وغناء جيوش الغزو والمبارزين في القتال مما يجعلهم يندفعون بداعي الشوق والغناء إلى المبارزة والتضحية بالنفس والنفيس دون الدين والوطن، وهذا مما لا شك في إباحته، وقد كان للنبي ﷺ حادٍ يحدو بالجيوش بغنائه فيشتد سيرُها تبعًا لصوته حتى يطأ بعضها بعضًا من التزاحم، كله تبعًا لرقة صوته بالغناء، حتى قال النبي ﷺ لحاديه: «يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ»[150]. يعني النساء.
والنبي ﷺ كان رحب الصدر لسماع الشعر والغناء أحيانًا كما ثبت «عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ «هِيهِ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ «هِيهِ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ «هِيهِ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَبَيْتٍ». رواه مسلم.
ومثله حين أرى عائشة لعب الحبشة وكانوا يلعبون بحرابهم، وكان يقول لها: «حسبك» وهي تقول: أمهلني أنظر إليهم. وذلك في يوم عيد، ثم قال: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِى دِينِنَا سعة» أو قال: «فُسْحَةً»[151]، ومثله دخول أبي بكر على عائشة في بيتها وعندها جوارٍ يضربن بالدف فنهرهن أبو بكر وقال: مزمارة الشيطان في بيت رسول الله ﷺ؟ فرفع رسول الله ﷺ رأسه وكان مضطجعًا وقال: «دَعْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا أهل الإسلام»[152].
والغناء على إطلاقه يحث على الشجاعة والإقدام وعلى الكرم، ويساعد على مزاولة الأعمال الثقيلة بحيث لا يصيب من يزاولها مس التعب وقد قيل:
ولولا خِلال سَنها الشعر ما درى
بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
وحسبك إنشاد كعب بن زهير في عروسه، وكان النبي ﷺ قد أظهر قتله، فنزل ليلاً عند رجل من الأنصار وشهد صلاة الفجر مع رسول الله ﷺ، وبعد الصلاة جلس بين يدي رسول الله، ثم قال: يا رسول الله أرأيت إن جاءك كعب بن زهير تائبًا نادمًا أكنت تقبل منه؟ قال: «نعم»، ثم قال: أنا كعب بن زهير، وقد قلت قصيدة أستأذنك في سماعها. فقال: «قل». فأنشد قصيدته الشهيرة وهي:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفْدَ مكبول
وسعاد هي عروس الشاعر.
وهي تدل بفحواها - مع محبته لها - على أن رسول الله ﷺ أحب وأجل منها، وقد قال أهل الأدب إذا كان مدح فالنسيب مقدم؛ ومعنى بانت سعاد: فارقت، وقلبي اليوم متبول: أي هيَّمه الحب، متيم، أي: مُعَبَّد، إثرها: أي في طلبها، لم يُفد مكبول أي: أسير الحب لم تفده بوصل ثم قال:
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
إن من عادة الأعراب إذا انتقلوا من منزل إلى منزل آخر فإن المرأة تتجمل غاية التجمل، ومنه تكحيل عينيها لعلمها أن الناس سينظرون إليها، ثم قال:
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يُشتكى قِصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
كأنه مَنهل بالراح معلول[153]
ثم ليتأمل العاقل وصف هذا الشاعر لزوجته أو لعروسه بمسمع من رسول الله ﷺ وقد أجازه، فوصفها بأنها هيفاء، أي ضامرة البطن ويعدونها من محاسن المرأة ثم قال: عجزاء مدبرة، فوصفها بكبر عجيزتها لكون الرجل قصاب يحب الحسن والسمن، لا يُشتكى منها قصر، لكون شر النساء القصار الحباتر، ولا طول لكون المرأة إذا تجاوزت الطول المعتاد فإنها تكون مشوهة، ثم وصف ثغرها فقال: تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت، فالعوارض هي: البراطم، والظَلْم بالفتح هو: ماء يخرج من أسنان الأبكار، ووصف حلاوته بماء المطر الممزوج بالراح، أي الخمر، أي من شدة حلاوته، ولم ينكر النبي ﷺ عليه شيئًا من ذلك:
فعانِق وقبل وارتشف من رضابها
فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم[154]
والحاصل أن الغناء مباح، وأخذ الأجرة عليه مباح، وكذلك ضرب الدف والحداء كل هذا من لهو الدنيا المباح في الأصل، وسُمع من ابن عمر عند منصرفه من عرفة يقول:
إليك تعدو قلقًا وضينها
معترضًا في بطنها جنينُها
مخالفًا دين نصارى دينُها
ونظير هذا أن رجلاً من سكنة الإمارات زار حبيبته، وركب على ناقته، فجعلت الناقة تتلفت إلى الخلف وتحن إلى مألفها وهو يُلحُّ عليها بالضرب لتسير إلى الأمام جهة محبوبته وأنشد:
هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى
وإني وإياها لـمختلفان
وقد وجّهت امرأة أرملة سؤالاً قائلة: إنني امرأة مات عني زوجي ولي منه عدد من العيال، وليس لي من كسب إلا من الغناء وضرب الدف، فهل كسبي عليهم حلال أو حرام؟.
فالجواب: إننا متى قلنا بإباحة الغناء فإننا نقول بإباحة ما يترتب عليه من الأجرة، إذ لا يمكن أن يبذل أمثال هؤلاء نفعَهم فيه بدون عوض، والنبي ﷺ قد أثاب بعض الشعراء، وقال: «يَأْبَوْن إِلَّا أَنْ يَسْأَلُونِى وَيَأْبَى اللَّهُ لِىَ الْبُخْلَ»[155]، كما أثاب وفد بني تميم حين قدموا عليه وفيهم شعراؤهم ومنهم عطارد بن حاجب التميمي في أشراف من بني تميم، جاؤوا في أسرى بني تميم الذين أخذتهم سرية عيينة بن حصن الفزاريّ فقالوا: جئنا لنفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: «أذنت لخطيبكم»، فقام عطارد فخطب فقال رسول الله ﷺ لثابت بن قيس بن شماس: «قُمْ؛ فَأَجِبِ الرَّجُلَ»، فقام ثابت فخطب وأجابه، وقام الزبرقان بن بدر فقال:
نحن الكرام فلا حي يعادلنا
منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأجياد كلهمُ
عند النهاب وفضل العز يُتبع
ونحن يُطعم عند القحط مَطعَمُنا
من الشواء إذا لم يؤنس القزع
إلى أن قال:
إنا أبينا ولم يأب لنا أحد
إنا كذلك عند الفخر نرتفع
في أبيات ذكرها، فقال رسول الله ﷺ لحسان بن ثابت: «قم فأجب الرجل»، فقام، فقال على البديهة:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم
قد بينوا سننًا للناس تتّبع
يرضى بها كلُّ من كانت سريرته
تقوى الإله وكل الخير يُصطنع
قوم إذا حاربوا ضرُّوا عدوهمو
أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة
إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهمو
فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
إلى أن قال:
لا يفخرون إذا نالوا عدوهمو
وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس: إن هذا الرجل لخطيبُه أخطب من خطيبنا، ولشاعرُه أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا. فلما فرغ القوم أسلموا، وجوّزهم رسول الله ﷺ فأحسن جوائزهم.
وهذا مما يدل على إباحة ما تكتسبه المرأة على غنائها والدف فيه، فلا محظور في إباحة ما يتفضل به أهل الفضل عليها، وللفقراء من زاد الكرام نصيب، والنبي ﷺ قال: «ما جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ»[156]، وحسبنا إجازة رسول الله وتفضله على هؤلاء على شعرهم مع كونه في محض الفخر بأنسابهم، وقد نهى ﷺ عن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، وقد قال: «مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِى ذَهَبًا يَأْتِى عَلَىَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ عِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِى عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»[157]، أي عن يمينه وشماله ومن خلفه، لكون البخل هو من أبغض ما يتخلق به الرجل عند رسول الله ﷺ، وقد قال النبي ﷺ لبني ساعدة: «مَنْ سَيِّدُكُمْ؟» قالوا: الجد[158] بن قيس على أننا نبخِّله، قال ﷺ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ؟ بَلْ سَيِّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ»[159] لهذا قال شاعرهم:
وقال رسول الله والحق قوله
لمن قال منا من تُسمون سيدا
فقلنا له الجد بن قيس على التي
نُبَخّله فيها وإن كان أسودا
فتى ما تخطى خطوة لدنية
ولا باسط يومًا إلى سوأة يدا
فسود عمرو بن الجموح لجوده
وحُق لعمرو بالندى أن يُسوَّدا
إذا جاءه السؤال أوهب ماله
وقال خذوه إنه راجع غدا
فلو كنتَ ياجد بن قيس على التي
على مثلها عمرو لكنت المسوَّدا
فهذه المرأة الأرملة التي مات عنها زوجها وعندها عدد من العيال وتسأل عن كسبها بالغناء والدف إذ لا كسب لها غير ذلك، فنقول: إن كسبها بهذه الطريقة حلال بلا شك إذا لم تتعمد الغناء الذي يثير الغرائز إلى الفجور وشرب الخمور وما هو بمعنى ذلك، إذ الأصل الإباحة، وقد تناول أساطين العلماء الأحاديث التي يزعمون بأنها تحرم الغناء فأخضعوها للطعن، وأنها كلها ليست بصحيحة ولا صريحة في التحريم، وممن قال ذلك الإمام ابن العربي إمام المالكية، وابن حزم، والغزالي في إحياء علوم الدين.
أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٦﴾ [لقمان: 6] فاستنبطوا من هذه الآية تحريم الغناء ونسبوا القول إلى ابن عباس وابن مسعود، فإن هذا الاستنباط هو اجتهاد من بعض المفسرين وليس بنص قاطع على ما ذكروا، وليس بنص مرفوع إلى النبي ﷺ حتى يجب المصير إليه بالدليل القاطع والبرهان الساطع. ومجرد الغناء الخالي عن الخنا لا يحتمل التفسير بهذا لكون الآية دلت على من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله، وهذا يُحمل على من تصدى إلى الكتابة أو شراء الكتب المشتملة على الإلحاد والزندقة ليضل بها الناس عن الحق، لكون الجهد بالإلحاد والزندقة ونشره هو الغاية في إفساد البلاد وأخلاق العباد من كونهم يخرجون بسببه عن الصراط المستقيم ويتبعون طريقة المغضُوب عليهم والضآلين، خصوصًا إذا انضم إلى هذا الإلحاد والزندقة كونه يتخذ آيات الله هزوًا، فإن الاستهزاء بالله وبكتابه ورسوله والدين كفرٌ بالله عز وجل ﴿قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ﴾ [التوبة: 65-66] مما يدل على أن هؤلاء كفروا بمجرد استهزائهم بعد إيمانهم، وأن مجرد الاستهزاء أحبط أعمالهم وألحقهم بالكفار، فما بالك بالمستهزئين الذين ليس معهم إيمان فإنهم أحق بالكفر، وهذا التفسير بما ذكرنا هو الذي ينطبق عليه معنى الآية، وهم الذين يصابون بالخزي في الدنيا حتى يغطي أقاربُهم وجوهَهم عند ذكرهم، ثم يخلّد لهم الذكر الخامل والسُّمعة السيئة.
و﴿لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ﴾ يشمل كل ما يتلهى به الإنسان في حياته، وقد سمى الله الدنيا لعبًا ولهوًا، فالمسابقة بالأقدام وبالإِبل وبالخيل هو من لهو الحديث، وكذا المصارعة بالأجسام، والسباحة، والرماية، وكذا الغناء وضرب الدف عليه كل هذا من اللهو المباح، ومثله ملاعبة الرجل زوجته، وتأديبه فرسه، إذا لم يخرج عن حدود الحق إلى الباطل، وأشرها نشر الإلحاد والزندقة التي تنطبع في أخلاق أكثر العامة كما قيل:
إذا كنت من فرط السفاه معطلاً
فيا جاهلُ اعلم أنني غير جاحِد
أخاف من الله العقوبة آجلاً
وأعلم أن الأمر في يد واحد
فإني رأيت الملحدين تعودهم
ندامتُهم عند الأكف اللواحد
ونختم الكلام بكلمة كريمة ونصيحة حكيمة فيما يتعلق بالغناء والمعازف وسائر الملاهي، فنقول:
أولاً: إن الغناء في هذا العصر ألفاظه بذيئة، سخيفة يخجل العاقل من سماعها فضلاً عن ترديدها أو التغني بها.
ثانيًا: إن العالم كله اليوم غارق في أمواج بحار الموسيقى والغناء فأي خير جناه الناس من ذلك؟ ثم أليس استغراق المطروب في طربه يشل نشاطه ويقضي على همته واندفاعه إلى العمل ويغرق قلبه في الغفلة.
ثالثًا: لو أن أجهزة الأعلام سخرت هذا الوقت المهدور لتعليم الناس الخير وحملهم على فعله ألا يكون ذلك أصلح للناس وأنفع؟!.
رابعًا: إن هذا الذي يسمى اليوم بالفن من غناء ورقص وتمثيل وعزف لم يكن في عصر من العصور أكثر انتشارًا وضررًا منه في عصرنا.. فماذا يقدم المغنون والمغنيات لأمتهم من الخير؟! وماذا تنفع التمثيليات والمسرحيات التي تدَّعي الإصلاح وإثمها أكبر من نفعها؟!
* * *
[142] الأسَل: الرماح.
[143] قال الرجل فتوجهت إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والسرور ما لم أر بباب هرقل مثله، فلما سلمت ردّ السلام ورحّب بي وألطفني ولامني على تركي النزول عنده، ثم أقعدني على شيء، لم أثبته، فإذا هو كرسي من ذهب فانحدرت عنه فقال: ما لك؟ فقلت: إن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك. فقال جبلة أيضًا مثل قولي في النبي ﷺ حين ذكرته وصلى عليه، ثم قال: يا هذا إنك إذا طهرت قلبك لم يضرك ما لبسته ولا ما جلستَ عليه. ثم سألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يفكر حتى رأيت الحزن في وجهه فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك والإسلام؟ قال: أبعد الذي قد كان؟ قلت: قد ارتد الأشعت بن قيس ومنعهم الزكاة وضربهم بالسيف ثم رجع إلى الإسلام، فتحدثنا مليًّا ثم أومأ إلى غلام على رأسه فولّى يحضر، فما شعرت إلا بعشر جوار يتكسرن من الحلي ثم قال للجواري: أطربنني، فخفقن بعيدانهن يغنين:
لله دَر عصابة نادَمتُهم
يومًا بجلَّق في الزمان الأول
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
شُمّ الأنوف من الطراز الأول
يغشون حتى لا تهرّ كلابُهم
لا يسألون عن السواد المقبل
فاستهل واستبشر وطرب ثم قال: زدننا فاندفعن يغنين:
لـمن الدار أقفرت بمعان
بين شاطئ اليرموك فالصمان
فحمى جاسم فأودية الصفر
مغنى قبائل وهجان
فالقريات من بلاس فداريـ
ـيا فسكاء فالقصور الدواني
ذاك مغنى لآل جفنة في الدهـ
ـر وحق تعاقب الأزمان
قد دنا الفصح فالولائد ينظمـ
ـن سراعًا أكلة المرجان
لم يعللن بالمغافير والصمـ
ـغ ولا نقف حنظل الشريان
قد أراني هناك حَقَّ مكينٍ
عند ذي التاج مقعدي ومكاني
فقال أتعرف هذه المنازل؟ قلت: لا. قال: هذه منازلنا في ملكنا بأكناف دمشق، وهذا شعر ابن الفريعة حسان بن ثابت. قلت: أما إنه مضرور البصر كبير السن. قال: يا جارية هاتي. فأتته بخمسمائة دينار وخمسة أثواب من الديباج فقال: ادفع هذا إلى حسان وأقرئه مني السلام. ثم راودني على مثلها فأبيت، فبكى ثم قال لجواريه: أبكينني فوضعن عيدانهن وأنشأن يقلن قوله: تنصرت الأشراف من عار لطمة... إلخ. ثم بكى وبكيت معه حتى رأيت دموعه تجول على لحيته كأنها اللؤلؤ، ثم سلمت عليه وانصرفت. فلما قدمتُ على عمر سألني عن هرقل وجبلة فقصصت عليه القصة من أولها إلى آخرها، فقال أورأيت جبلة يشرب الخمر؟ قلت: نعم. قال: أبعده الله، تعجل فانية اشتراها بباقية فما ربحت تجارته، فهل سرّح معك شيئًا؟ قلت: سرّح إلى حسان خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج. فقال: هاتها. وبعث إلى حسان فأقبل يقوده قائده حتى دنا فسلم، وقال: يا أمير المؤمنين إني لأجد أرواح آل جفنة. فقال عمر رضي الله عنه: قد نزع الله تبارك وتعالى لك منه على رغم أنفه وآتاك بمعونة. فانصرف عنه وهو يقول:
إن ابن جفنة من بقية معشـر
لم يغذهم آباؤهم باللوم
لم ينسني بالشام إذ هو ربها
كلا ولا متنصـرًا بالروم
يعطى الجزيل ولا يراه عنده
إلا كبعض عطية المذموم
وأتيته يومًا فقرب مجلسـي
وسقى فروّاني من الخرطوم
فقال له رجل: أتذكر قومًا كانوا ملوكًا فأبادهم الله وأفناهم؟! فقال: ممن الرجل؟ قال: مزني. قال: أما والله لولا سوابق قومك مع رسول الله ﷺ لطوقتك طوق الحمامة. وقال للرجل الذي جاء من عند جبلة: ما كان خليلي ليخل بي، فما قال؟ قال: قال لي: إن وجدته حيًّا فادفعها إليه، وإن وجدته ميتًا فاطرح الثياب على قبره وابتع بهذه الدنانير بُدنًا فانحرها على قبره. فقال حسان: ليتك وجَدتني ميتًا ففعلت ذلك بي.
[144] أخرجه البيهقي في الكبرى من حديث عائشة.
[145] أخرجه مسلم من حديث عائشة.
[146] أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث محمد بن حاطب.
[147] أخرجه الترمذي من حديث عائشة.
[148] متفق عليه من حديث أبي موسى.
[149] أخرجه البيهقي في الكبرى من حديث عائشة.
[150] أخرجه مسلم من حديث أنس.
[151] أخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة.
[152] متفق عليه من حديث عائشة.
[153] ذكره البيهقي في السنن الكبرى من حديث عبد الرحمن بن كعب بن زهير.
[154] وهذا البيت ليس من قصيدة (بانت سعاد) وإنما دخل فيها دخول التفسير لها.
[155] أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عمر.
[156] متفق عليه من حديث عمر.
[157] أخرجه البخاري من حديث أبي ذر.
[158] الجد بن قيس هو الذي اختفى خلف بعيره الأحمر عند بيعة الرضوان وقال لرسول الله ﷺ عند غزوة تبوك: إنني إذا رأيت بنات الأصفر لم أستطع الصبر عنهن فائذن لي في القعود، فأذن له، وأنزل الله فيه ﴿وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ٤٩﴾ [التوبة: 49].
[159] أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة.