فصل في معرفة الشيخ ابن محمود بالشيخ عبد العزيز بن ناصر
إنه قبل شروعي في النقد سأنشر محاسن ما عرفته عن الشيخ عبد العزيز، بطريق الخبرة والتجربة والصحبة الطويلة.
إن أول معرفتي به عام 1358هـ، وقت دراستنا عند فضيلة الأستاذ الشيخ محمد بن إبراهيم، مفتي الديار السعودية - رحمه الله- وفي أول عام 1359هـ صدر الأمر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله- بإرسالنا إلى مكة المكرمة لنشر الوعظ والإرشاد والتعليم في الحرم وفي مساجد مكة، ولنكون وقت الطلب على أهبة الاستعداد، فسافرت وإياه إلى مكة ومعنا ستة أشخاص من زملائنا، فنزلنا في مسكن فسيح جميل ذي طوابق في الحلقة وأقمنا جميعًا سنة كاملة، في كلها نتمتع من فضيلة هذا الشيخ بدماثة الأخلاق وجميل الوفاق، لم نعتب عليه في خلق ولا دين، فمن أجله كنت أحمل له الود المكين ونعده من فقهاء الزمان ومن له شرف وشأن، ولم نزل كذلك إلى أن حان ميعاد الفراق وصدر الأمر الملكي بإشخاصنا قضاة في الآفاق، فأرسل كل واحد منا إلى بلد، وأرسلني في صحبة فضيلة حاكم قطر: الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني - رحمه الله- بتاريخ 15 ذي الحجة عام 1359هـ، فهذا مبدأ معرفتي بهذا الشيخ، إذ إنه زميلي في الطلب ورفيقي في السفر وصاحبي في المسكن، فنحن نعده من الفقهاء الأجلاء، غير أنه من القوم الذين يرون التقيد بالمذهب في الصغيرة والكبيرة، وألَّا يخرج عنه قيد شعيرة، فلأجله ضاق ذرعه بمخالفتي لرأيه وعدها عليَّ جريمة كبيرة، حتى نشر لأجلها هذا المنشور، كأنني أتيت ببدع من القول وزور، ولم يشعر بأن ما قلته يعد من صغار مسائل الفروع التي لا إنكار في مثلها عند أهل الأصول، مع أن القول بعدم مشروعية الأضحية عن الميت، هو المشهور من مذهب الشافعية والمالكية والأحناف، وكذا الإمام أحمد، فإنه لم يوجد عنه نص في الجواز، فلا وجه لهذا الإكبار والإنكار الناشئ عن الجهل بالآثار والتسمي بالرد للافتخار، وهذه النفرة التي حدثت معه وأشباهه ستزول سريعة - إن شاء الله- بعدما تتخمر البحوث في الأفهام ويتكرر التذاكر في موضوعها بين ذوي العلوم والأفهام،، لأن العلم شفاء، وقد ضمن الله للحق البقاء وحسن العقبى، وأما الزبد فيذهب جفاء.
أبن وجه قول الحق في نفس سامع
ودعه فنور الحق يسـري ويشرق
سيؤنسه رفقًا فينسى نفاره
كما نسـي القيد الموثق مطلق
نسأل الله علمًا نافعًا وعملاً مبرورًا خالصًا مشكورًا، ونعوذ بالله أن نقول زورًا أو نغشى فجورًا.
* * *