الحكم الرابع:
ما روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لم يصب مالَا قط هو أنفس منه فَأَتَى النَّبِىَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» فقال: أفعل يا رسول الله، فتصدق بها عمر، أنه لا يوهب أصلها ولا يباع ولا يورث، فتصدق بها على الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقًا غير متمول مالاً».
فهذا عمر قد استشار رسول الله في مصرف وقفه في سبيل ما ينفعه بعد موته فأرشده إلى حبس أصله والصدقة بغلته في وجوه البر والخير على الفقراء والقربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولم يذكر الأضحية في جملة ما ذكر، ولو كانت مشروعة أو أنها مما يثاب عليها أو أنها مما يصل إليه بعد موته نفعها لذكرها له رسول الله في جملة ما ذكر، ولما ساغ لعمر أن ينساها لنفسه وهذا يؤيد قول من قال: إن الأضحية عن الميت غير مشروعة، وإنه لا يصل إليه ثوابها. لأن عدم فعل الصحابة لها وعدم نقلها عن أحد منهم لا في أوقافهم ولا وصاياهم تدل على عدم مشروعيتها، إذ لو كانت مشروعة أو أن فيها فضيلة لكانوا أحق بالسبق إليها، فعدم فعلهم لها يعد من الإجماع القديم واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع حجة، فهي تعد من التعبديات التي يجب فيها الوقوف عند الكتاب والسنة وعمل الصحابة والصدر الأول، فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا.