متقدم

فهرس الكتاب

 

الوجه الثالث:

قوله تعالى: ﴿وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٣٦ [الحج: 36].

فأخبر الله بنعمه على عباده والتي من جملتها تسخير البدن لهم؛ أي الإبل، وجعلها من شعائر الله، ولا تكون من شعائر الله إلا إذا ذبحت في عمل الطاعة كالأضحية والهدي، قال تعالى: ﴿وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ [الحج: 32]، قال ابن عباس: تعظيم الشعائر استسمانها واستحسانها[13]، وقوله: ﴿لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞ تركبونها وتشربون ألبانها وتأكلون لحومها.

وقوله: ﴿فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّ أي عند ذبحها حال كونها معقولة يدها اليسرى صافة بقية قوائمها، لأن هذا هو سنة ذبح الأضحية، قال البخاري: ﴿فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّ قال ابن عباس: قيامًا، وعن ابن عمر أنه أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ لِيَنْحَرَهَا فقال: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ ». متفق عليه. وعن عبد الرحمن بن سابط: أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة يدها اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها.

﴿فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا، أي سقطت بالأرض بعد ذبحها ﴿فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وهو السائل ﴿وَٱلۡمُعۡتَرَّ وهو المعترض الذي يريك نفسه لتذكره، ﴿كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ، وهذا كله خطاب مع الأحياء الذين خلق لهم البدن وجعل لهم فيها خيرًا يتمتعون بركوبها وبالحمل عليها ويتنعمون بألبانها ولحومها، والذين أمروا بأن يذكروا اسم الله عليها عند ذبحها وأن يأكلوا من لحمها ويطعموا السائل المتكفف والفقير المتعفف، فلا علاقة في هذه الآيات لذكر الأموات أبدًا، لكونها إنما شرعت في حق الحي الذي هو محل التكليف بالأمر والنهي.

[13] لهذا يستحب استسمان الهدايا والأضاحي واستحسانها، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، فأضحية حسنة سمينة قيمتها مائتان أفضل من أضحيتين دونها في السمن قيمتهما مائتان، لكون المطلوب هو السمين الحسن لا كثرة العدد، وقد كان أصحاب رسول الله يسمنون أضاحيهم. وأما الاستحسان، فـروي من حـديث أبي هـريـرة مـرفوعًا: «دَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ»، رواه أحمد والحاكم والبيهقي. وورد الشرع بالنهي عن العيوب المانعة للإجزاء كما يعرف تفصيلها من كتب الأحكام والفروع، لكن متى تعيبت الأضحية بعد التعيين ولم تكن واجبة في ذمته قبل ذلك ذبحها وأجزأته، لما روى أبو سعيد الخدري قال: «اشْتَرَيْت كَبْشًا لِأُضَحِّيَ بِهِ فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْيَةَ فَسَأَلْت النَّبِيَّ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي. ولهذا كره الأضحية بشاة حامل، لكون الحمل يفسد لحمها وذهب الإمام الشافعي إلى عدم الإجزاء بها.