متقدم

فهرس الكتاب

 

الوجه الثاني:

قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ ٣٤ [الحج: 34].

قال ابن عباس: لكل أمة جعلنا منسكًا، أي عيدًا. وقال عكرمة: ذبحًا. والمعنى متقارب، يخبر سبحانه أن الأعياد وتقريب القرابين فيها لا يزال مشروعًا في سائر الملل والأمم، وقوله: ﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ، أي عند ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فمن الناس من يهل ذبيحته للطواغيت والأصنام فتكون على آكلها من أصناف الحرام، ومنهم من يذبحها على اسم الله كالأضاحي ودماء المناسك وسائر ما يتقرب به إلى الله ويأكلون مما رزقهم الله من لحومها حلالاً طيبًا، وهذا هو حقيقة ما يفعله المسلمون في أعيادهم، يأكلون ويهدون ويتصدقون، وفي الآية الأخرى: ﴿وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ [الحج: 28]، فهذه وإن نزلت في دماء المناسك، فإن الحكم في الأضحية كالحكم في الهدي، لأن الأضاحي ودماء المناسك معناهما واحد. قاله في الكافي، وأما الأيام المعلومات فهي يوم العيد وأيام التشريق.

وبهذا يترجح قول من قال: إن وقت الذبح هو يوم العيد وثلاثة أيام بعده. كما هو ظاهر مذهب الشافعي، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم لما روي عن جبير بن مطعم، أن النبي ﷺ قال: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» رواه أحمد والدارقطني.

وفي رواية: «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، ويدل له حديث نبيشة الهذلي، أن النبي ﷺ قال: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عز وجل» رواه مسلم، وعن عائشة وابن عمر قَالَا «لَمْ يُرَخَّصْ فِى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْي». رواه البخاري. وأيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد العيد بالاتفاق، والتي شرع التكبير فيها في سائر أدبار الصلوات المكتوبة، وظاهر مذهب الإمام أحمد: أن وقت الذبح هو يوم العيد ويومان بعده، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

والحاصل أن الخطاب في هذه الآيات موجه إلى الأحياء الذين أمروا بأن يذكروا اسم الله عند ذبح أضاحيهم، وأن يأكلوا مما رزقهم الله من لحومها، وأن يطعموا البائس الفقير، وهذا الخطاب لا ينطبق إلا على الأحياء المكلفين بالأمر والنهي، المستمعين للقول والمتبعين أحسنه.