متقدم

فهرس الكتاب

 

الوجه الأول:

كل من تدبر النصوص الدينية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تبين له بطريق الوضوح والجلية والدلائل القطعية أن الأضحية إنما شرعت في حق من أدركه العيد من الأحياء، أشبه مشروعية صلاة العيد على السواء، وأشبه مشروعية صدقة الفطر فيمن أدرك عيد الفطر، فهي والحالة هذه تعد من شعائر الدين ومن القرابين التي تقرّب لرب العالمين، وفيها التشريف لعيد الإسلام وعيد حج بيت الله الحرام المسمى في كتاب الله بيوم الحج الأكبر، فيتقربون إلى الله فيه بإراقة دم القرابين من الأضاحي ودماء المناسك إشهارًا لشرفه وإكبارًا لأمره ولتكون أعياد المسلمين عالية على أعياد المشركين، وما يقربونه لآلهتهـم من القرابين وفيها القيام بامتثال طاعة الله والتأسي بسنة رسول الله، وفي فعلها إظهار لشكر نعمة الغنى، حيث جعل من يضحي من الأغنياء المقتدرين ولم يجعله من الفقراء العاجزين. وهذا يعد من أسمى منازل الرفعة والفضيلة؛ لأنه لا أعلى منزلة من طاعة الإنسان لمولاه والتقرّب إليه بوسائل رضاه.

وكان رسول الله يقسّم الأضاحي بين أصحابه لتعميم العمل بهذه السنة وإدخال السرور عليهم بفعلها، كما أنه يذبح أضاحيه بمصلى العيد بمرأى من جميع الناس ومسمع؛ إشهارًا لشرف هذه الشعيرة وإشعارًا بمكانها من الشريعة، وعن زيد بن أرقم قال: «قلنا - أو قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ؟ قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ». قَالَ قُلْنَا: فَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ:« بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ». قَالَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالصُّوفُ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ»». رواه أحمد وابن ماجه.

فالذبح في مثل هذا اليوم يعد من العبادة لرب العالمين ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥ [الأنعام: 162-163]، كما أن الذبح للصنم والذبح للجان والذبح للزّار والذبح للقبر، يعد من الشرك المبين، ففي البخاري عن عليٍّ قال: حدثني رسول الله بأربع كلمات فقال: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غيّر منار الأرض»، أي مراسيمها. والأضحية إنما شرعت في حق الحي لا الميت، بدليل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، أما القرآن فإن مبدأ مشروعية الأضحية في الإسلام هو ما قص الله عن نبيه إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام حيث قال: ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧ وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ١٠٨ [الصافات: 107-108].

وهذا الذبح هو كبش أمر إبراهيم بأن يذبحه قربانًا إلى الله في يوم عيد النحر على ما قيل، فكان سنة في ذريته، حيث أمر رسول الله بأن يتبع ملته، فسنها رسول الله ﷺ لأمته، كما في حديث زيد بن أرقم المتقدم، «قال: قلنا أو قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ قَالَ « سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ». قَالُوا وَمَا لَنَا فِيهَا قَالَ: بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ»[12]. الحديث، فهذا هو مبدأ مشروعية الأضحية وأنها من خصوصية الأحياء تشريفًا للعيد، وشكرًا لله على بلوغه كما يدل له قضية الحال والمقال.

[12] أخرجه ابن ماجه من حديث زيد بن أرقم.