متقدم

فهرس الكتاب

 

الوجه الحادي عشر:

أن كل من تدبر النصوص الدينية من الكتاب والسنة وعمل الصحابة، فإنه يتبين له بطريق جلية أن الأضحية إنما شرعت في حق من أدركه العيد من الأحياء، شكرًا لله على بلوغه واتباعًا للسنة في إراقة الدم فيه لله رب العالمين، أشبه مشروعية صدقة الفطر عند عيد الفطر، لإغناء الطوّافين من الفقراء والمساكن، فلو قال قائل بمشروعية صدقة الفطر عن الأموات لعده العلماء مبتدعًا، لعدم ما يدل على مشروعية ذلك وهذا هو عين ما فهمه الصحابة من حكمة الأضحية، فكيف يمكن أن يقال بعد هذا: إن النبي ﷺ ضحى بالشاة عن نفسه وعن أمته؛ ليفهم عنه جواز الأضحية عن الموتى، والفعل لا يحتمله ولا يمت له بصلة، ولم ينقل عن علماء الصحابة القول به ولا العمل بموجبه، وهذا واضح جلي لا مجال للشك في مثله.

ولا عجب من كون جهلة العوام يستغربون القول بهذا فتنفر منه نفوسهم، ولم تطمئن إليه قلوبهم؛ لعدم اعتيادهم لسماعه فضلاً عن العمل به؛ ولأن من تربى على مذهب وتعود على العمل به في بلده، واعتقد صحته، فإن من طبيعته استنكار العمل بمخالفته لاعتقاده أنه خروج عن دين الله أو عن طاعة الله ورسوله، والعامي: مشتق من العمى، وهم أتباع القادة من العلماء.

ولهذا السبب أحببت توطيد ثبات ما قلت من عدم مشروعية الأضحية عن الميت بما يكون كالمؤنس له والمؤذن بقبوله من نصوص الكتاب والسنة وعمل الصحابة ومذاهب الأئمة الأربعة، احترازًا مما قد يسبق إليه الوهم ويسوء فيه الفهم من دعوى الشذوذ بالقول به أو عدم سبق العلم بموجبه، وقد مدح الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والله أعلم.

أيها القراء الكرام، إن هذه الرسالة الوجيزة لن يظهر للقارئ حقيقة صحتها ولا رجحان مصلحتها، إلا بعد استكمال دراستها، ثم عرضها على محك التمحيص وميزان التصحيح من نصوص الأصول وأمهات الفروع كلها من كتب المذاهب، ليتبين بذلك جلية أمرها ورجحان مصلحتها ومن ادعى خلاف ما قلنا فيها، فإنه مطالب بالدليل والمُؤْمن لدى الحق أسير، إذ ليس كل ناقل خبير ولا كل ناقد بصير، سوى الله الذي لا معقب لحكمه، نعم المولى ونعم النصير.

* * *