الوجه الرابع:
أن جميع الصحابة الذين سألوا رسول الله ﷺ عن أفضل ما يفعلونه لموتاهم، إنما أرشدهم النبي ﷺ إلى الدعاء والصدقة وصلة الأقارب وقضاء الواجبات من حج ونذر، فهذا سعد بن عبادة، قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال: «نعم، تصدق عن أمك»[2]. ولم يقل ضح عن أمك، وهذا أبو طلحة، وضع بيرحاء بين يدي رسول الله وقال: ضعها حيث أراك الله. فقال: «بخ مال رابح أرى أن تجعلها في أقاربك»[3]. ولم يأمره أن يجعل فيها أضحية تذبح عنه بعد موته، كما يفعله بعض الناس، وهذا عمر بن الخطاب استشار رسول الله في مصرف وقفه الذي هو أنفس مال عنده، فأشار عليه رسول الله بأن يحبس أصلها ويتصدق بثمرها، فتصدق بها عمر على الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولم يجعل له فيها أضحية، ولو كانت مشروعة أو أنها أفضل من الصدقة لأرشده النبي إليها، ولما ساغ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينساها لنفسه وهو أحرص الناس على إيصال النفع له بعد موته.
فالصدقة عن الميت وخاصة من الأولاد عن والديهم هي أفضل من ذبح الأضحية، لكون الصدقة قد أجمع العلماء على فضلها ووصول نفعها لاسيما إذا خرجت من المتصدق في عشر ذي الحجة التي العمل فيها أفضل من غيرها، وتصادف من الفقير موضع حاجة وشدة وفاقة، لما يتطلبه العيد من الكسوة والنفقة له ولعياله.
[2] متفق عليه من حديث عائشة. [3] متفق عليه من حديث أنس بن مالك.