متقدم

فهرس الكتاب

 

الوجه الأول:

أن الأضحية إنما شرعت في حق الحيّ، فأول من فعلها إبراهيم عليه السلام حيث قال الله تعالى: ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧ [الصافات: 107] وهي أضحية أمر أن يذبحها يوم عيد النح. ثم سنها رسول الله ﷺ في أمته تشريفًا لعيد الأضحى الذي سمي باسمها، وشكرًا لله على بلوغه، وإدخالاً للسرور على الأهل والعيال فيه، ولتكون أعياد المسلمين عالية على أعياد المشركين وما يقربونه لآلهتهم من القرابين. ولهذا كان النبي ﷺ يقسّم الأضاحي بين أصحابه، لإدخال السرور والفرح عليهم وتعميم العمل بمشروعية الأضحية، كما أنه كان يذبح أضاحيه بمُصلى العيد، إشهارًا لشرف هذه الشعيرة ومكانها من الشريعة، كما أمروا بصلاة العيد، وأنزل الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢ [الکوثر: 2] فالذين أمروا بصلاة العيد هم المأمورون بنحر الأضاحي وهم الأحياء ولا علاقة لها بالأموات البتة.

وأما أضحية النبي ﷺ بالكبش عنه وعن أمته، فإن الله سبحانه قد أثبت لنبيه الولاية التامة العامة على كافة أمته، وهي ولاية أحق وأخص من ولاية الرجل على عياله وأهل بيته ونفسه، فقال تعالى: ﴿ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡ [الأحزاب: 6]، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ»[1]، فمن ولايته أضحيته عن أمته كما يضحي أحدنا عن عياله وأهل بيته، بل أحق.

وقد ذكر الفقهاء سقوط وجوب الأضحية عن كافة الناس بأضحية النبي عنهم، وبقي الاستحباب في حق كل من قدر عليها، وهذه الأضحية وقعت من النبي ﷺ بطريق الأصالة، وإنما أشرك جميع أمته في ثوابها ولا يمكن أن يقال: إن النبي ضحى بالكبش عنه وعن أمته ليفهم منه مشروعية الأضحية عن الموتى، والفعل لا يحتمله ولا يمت له بصلة، ولم ينقل عن الصحابة القول به ولا العمل بموجبه.

[1] أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله.