متقدم

فهرس الكتاب

 

ردّ قياس الأضحية عن الميت على الحج عنه

وأما قول من قال: إنه يجوز أن يضحى عن الميت كما يحج عنه، فإنه قياس مع الفارق، فإن الحج الذي أفتى النبي ﷺ بفعله عن الميت هو الحج الواجب المشبه بالدين اللازم كما في البخاري من حديث ابن عباس، «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يا رسول الله إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ «نَعَمْ. حُجِّى عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»» وروى مسلم من حديث بريـدة، «أن امـرأة قالت: يا رسول الله إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ «نَعَمْ حُجِّى عَنْ أمك»»، فهذه واجبات بأصل الشرع وبطريق النذر.

وقد أفتى النبي ﷺ بجواز فعلها عن الميت، والسؤال وقع فيها من الأولاد كما ترى وللأولاد حالة لا تشبه حالة غيرهم، كما أن للواجبات حالة لا تشبه حالة التطوّعات، ولهذا يجوز قضاء واجب الحج من أجنبي، كما يجوز قضاؤه لدين الآدمي في ظاهر المذهب، وعليه يحمل حديث ابن عباس، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ؟» قَالَ أَخٌ لِى. قَالَ «هَلْ حَجَجْتَ». قَالَ لَا. قَالَ «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ»». رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه، ونظيره حديث عائشة: أن النبي ﷺ قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه.

وحمل الإمام أحمد هذا الحديث على صوم النذر فهو الذي يقضيه الولي عن ميته دون الواجب بالشرع وليس الأمر بالصوم للوجوب، بل إذا لم يصم الولي أطعم من تركته عن كل يوم مسكينًا.

ولا يختص قضاء هذا النذر بالولي، بل كل من صام عنه أجزأ، لأنه تبرع أشبه قضاء الدين، قاله في المغني. ومذهب أئمة الفقه أنه لا يصام عن الميت مطلقًا، منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي، وخص الإمام أحمد وآخرون جواز الصوم بالواجب بالنذر دون الواجب بالشرع، وقد روى الأثرم عن ابن عباس، أنه سئل عن رجل توفي وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم رمضان، فقال: أما رمضان فيطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه.

وهذا الأمر بالإطعام فيمن عليه صيام شيء من رمضان ليس على إطلاقه. أما من مات وعليه صيام شيء من رمضان، كمريض مات في إثر مرضه، أو حائض ونفساء أفطرتا للعذر، ثم مات أحد هؤلاء قبل أن يتمكن من قضاء ما عليه فهذا لا شيء عليه لا من الإطعام ولا من الصيام في ظاهر المذهب، وهو قول أكثر أهل العلم، قاله في المغني لكونه معذورًا شرعًا، أما إذا تمكن من القضاء، كمريض صحّ من مرضه، أو مسافر رجع من سفره، وتمكن من قضاء ما عليه أو حائض أو نفساء مكثت بعد مدة طهارتها، بحيث تتمكن فيها من قضاء ما عليها فتكاسل أحد هؤلاء عن قضاء ما عليه حتى مات، فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكين في قول أكثر أهل العلم وهو ظاهر المذهب ولا يصام عنه، لأن الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة، فكذلك بعد الوفاة، كالصلاة، بخلاف صوم النذر فإنه التزام في الذمة فقبل قضاء الولي له كالدين. قاله في المغني.

أما الحج فقد نص الفقهاء من الحنابلة والشافعية على أن من مات ولم يحج فإنه يخرج من تركته ما يحج به عنه أوصى بذلك أو لم يوص، أشبه دين الآدمي، ولأن النبي أمر المرأة أن تحج عن أبيها المعضوب الذي لا يستطيع الركوب على الراحلة، وقال مالك وأبو حنيفة: يسقط بالموت لأنه عبادة بدنية فسقط بالموت كالصلاة، وإن أوصى به، فمن الثلث.

أما ما عدا الحج، فإن مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، وروى النسائي بسند صحيح عن ابن عباس قال: لا يصل أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد. إذا ثبت هذا فإن الأضحية عن الميت ليست من الأمر الواجب عليه حتى تقاس على الحج عنه، فكيف يقاس ما ليس بواجب ولا بمشروع على الحج الواجب المشبه بالدين اللازم حتى ولو قال به من قال، إذ ليس بلازم أن يقبل كل ما يقوله العالم أو يفتي به بدون دليل يؤيده، وباب القربات يقتصر فيها على النصوص ولا يتصرف فيها بأنواع الأقيسة والآراء، والله أعلم.

* * *