فصـل في جواز اشتراك أهل البيت في ثواب الأضحية سواء كانت شاة، أو سُبع بدنة
اعلم أن كل ما قلناه في الأضحية الشرعية، فإن المراد بها ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة، والشاة تطلق على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، وسبع البدنة يقوم مقام الشاة في سائر ما تعمل فيه الشاة على السواء، فكل من وجب عليه هدي، بسبب متعة أو قران أو إحصار لترك واجب من واجبات الحج أو فعل محظور من محظوراته أجزأه ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة، لحديث جابر قال: نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. رواه البخاري ومسلم، وثبت هذا الاشتراك في الحج أيضًا لما في صحيح مسلم عن جابر، قال: اشتركنا مع النبي في الحج والعمرة، كل سبعة منا في بدنة، فقال رجل لجابر: أيشترك في البقر كما يشترك في الجزور؟ فقال: ما هي إلا من البدن. وروى أحمد عن حذيفة، أن النبي ﷺ أشرك بين المسلمين في حجته البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
وقيس على ذلك الاشتراك في الأضاحي، لأنها نظيرة الهدي كل سبعة في بدنة، وهو قول الجمهور، وذهب مالك إلى عدم الاشتراك في البدنة إلا خاصة أهل البيت الواحد وقد ساء فهم بعض الناس في هذه الأحاديث، حيث قالوا: بوجوب الاقتصار في الأضحية بالبدنة على سبعة أنفار فقط، لكل واحد منهم سبع بدنة، وأنه لا يجوز الاشتراك في ثواب السبع في حق من تطوّع به أخذًا من مفهوم قوله: اشتركنا مع رسول الله البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وهذه الأحاديث صحيحة ثابتة في المعنى المراد منها، فإن هذا الاشتراك وقع بالأمر به من النبي عام الحديبية، حينما أحرموا بالعمرة فصدتهم قريش عن دخول مكة لإتمام عمرتهم فصاروا محصرين فأمرهم النبي أن ينحر كل واحد منهم هديًا ويتحلل من إحرامه، لقول الله: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ﴾ [البقرة: 196].
وأمرهم أن يشتركوا السبعة في بدنة والسبعة في بقرة، لكون السبع يقوم مقام الكبش في الإجزاء، وهذا الدم الواجب على كل شخص بسبب الإحصار، يجب عليه كاملاً بانفراده بدون أن يشرك أحدًا في ثوابه، سواء ذبح كبشًا أو سبع بدنة لانعقاد سبب وجوبه عليه في ذمته، أشبه دين الآدمي ومثله اشتراكهم في الحج والعمرة، فإن المتمتع والقارن يجب عليه هدي، لقول الله تعالى: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ﴾ [البقرة: 196]، لهذا اشتركوا في البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، وأكثرهم فدى بالغنم، وهذا الفدي يجب على كل متمتع وقارن بانفراده بدون أن يشرك أحدًا في ثوابه، لانعقاد سبب وجوبه عليه حينما أحرم بالحج والعمرة، سواء أهدى كبشًا أو سبع بدنة كما قلنا في دم الإحصار على السواء، ومثله الدم الواجب لترك واجب من واجبات الحج أو فعل محظور من محظوراته، فيجب عليه فيه دم، فلا يجوز أن يشرك أحدًا في ثوابه لعدم مشروعية الاشتراك فيما ذكرنا من الواجبات.
وليس كذلك الأضحية المتطوّع بها، فقد ورد النص في الاشتراك لأهل البيت في ثوابها، لما ثبت أن النبي ضحى بكبش عنه وعن أهل بيته، وقال: «بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»[21]، وكما ثبت عن الصحابة أن أحدهم كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، وسبع البدنة يقوم مقام الشاة في سائر ما تعمل فيه الشاة، لهذا يجوز للشخص أن يشرك أهل بيته معه في ثواب السبع كما يشركهم معه في ثواب الكبش، إذ هما في الحكم سواء، وقد ترجم على ذلك المجد في المنتقى، فقال: باب البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس لما روي عن ابن عباس: أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: إن علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها، فأمره النبي أن يبتاع سبع شياه وأن يذبحهن. رواه أحمد وابن ماجه، فجعل مقابل البدنة سبع شياه كما ترى.
فمن قال بجواز اشتراك أهل البيت في الأضحية بالشاة ولو كانوا مائة، ومنع الاشتراك في البدنة على ما زاد على السبعة فقد خالف المعقول والمنقول، ولا حجة له في الحديث الصحيح ولا القياس الصحيح، والله أعلم.
* * *
[21] أخرجه أحمد من حديث أبي رافع.