القرابين عند الأمم الأخرى وفي الإسلام
إن تقديم القرابين لا يزال موجودًا في سائر الأمم والملل، وقد قص الله في كتابه خبر ابني آدم لصلبه فقال تعالى: ﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ﴾ [المائدة: 27]. قيل: إن قابيل قدم قربانه ثمرًا من ثمار الأرض، وهابيل قدم قربانه من أبكار غنمه، وكانت القرابين تنقسم عندهم إلى ثلاثة أقسام؛ أحدها: الذبيحة المحرقة، يحرقونها ولا يأكلونها يزعمون أنهم يفعلونها لرضى الرب. والثانية: قرابين التكفير عن الخطايا، يحرقون بعضها وتأكل الكهنة بعضها. والثالثة: قرابين السلامة، يأكلونها لأن أكلها حلال عندهم، وإذا كان الإنسان فقيرًا لا يمكنه أن يقدم من الحيوان ذوات الأربع قبلوا منه تقديم ذبيحة الطيور، فهذه صفة القرابين عند الأمم، ويشترط في القرابين كلها أن تكون سليمة من العيوب، أما القرابين في الإسلام فإنها عبارة عما يقرّب إلى الله ويذكر عليه اسم الله، من دماء الأضاحي والمناسك وما يهدى إلى البيت، وكذا العقيقة والمنذور ذبحها لله؛ لئن شفى الله مريضي أو رد غائبي، فلله أن أذبح بدنة أو كبشًا. ويدخل فيه دماء الجبرانات وهي الدماء الواجبة بسبب ترك واجب من واجبات الحج أو فعل محظور من محظوراته.والقرابين يجوز فيها ما لا يجوز في الأضاحي، فتجوز من الطيور، كالدجاج أو البط، ومن الثمار، كالبر والتمر، وغير ذلك من كل ما يتقرّب به إلى الله ويهدى إلى حرم الله.
كما في الصحيح أن النبي ﷺ قال في الجمعة: «مَن غدا فِى السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ غدا فِى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ غدا فِى السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ غدا فِى السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ غدا فِى السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً»[9]. فجعل الدجاجة والبيضة من جملة القرابين، وعليه يحمل ما روي عن أبي هريرة أنه ضحى بديك، وكذلك بلال- مؤذن الرسول- ضحى بديك، لأن هذا الديك وإن لم يكن أضحية على الصفة المطلوبة، فإنه لن يخرج عن مسمى القربان الذي يقرّبه صاحبه إلى الله ويرجو ثوابه بإراقة دمه في يوم العيد عند الله، إذ هذا من باب جهد المقل والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها[10].
* * *
[9] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [10] ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية قال: تولى رجل مقل فقير قضاء الأهواز، فأبطأ عليه رزقه وحضر عيد الأضحى وليس عنده ما يضحي به ولا ما يشتري به أضحية، فشكا سوء حاله إلى زوجته، فقالت له: لا تغتم، فإن عندي ديكًا جليلاً قد سمنته فإذا كان عيد الأضحى ذبحناه أضحية، فلما كان يوم العيد وأرادوا ذبح الديك طار من بينهم على سقوف الجيران فطلبوه من دار إلى دار، ففشى الخبر بين الجيران أن القاضي يريد أن يضحي بديك وكانوا مياسير فرحموا القاضي لفقره فأهدى إليه كل واحد كبشًا فاجتمعت في داره أكبش كثيرة وهو في مصلى العيد لا يعلم بها، فلما رجع إلى منزله بعد فراغه من صلاة العيد قال لزوجته: من أين لكم هذه الأضاحي؟ قالت: أهدى لنا فلان هذا وأهدى لنا فلان هذا، وأخذت تعددها، فقال: ويحك احتفظي بديكنا؛ فإن إسحاق بن إبراهيم - يعني به إسماعيل - بن إبراهيم لم يفد إلا بكبش واحد، وقد فدي ديكنا بعدة أكباش.