متقدم

فهرس الكتاب

 

الأعياد الإسلامية

جاء الإسلام فنسخ سائر الأعياد البدعية ونهى عنها وعن الدخول على أهلها، وأخبر أن السخط ينزل عليهم فيها.

قال أنس: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ». رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. فهذان اليومان اللذان يلعبون فيهما هما عيدان لهما زمن الجاهلية، فأبدلهما الله بهما بعيد الأضحى وعيد الفطر، فهما عيدا عبادة لأهل الإسلام، فعيد الفطر شرع شكرًا لإتمام الصيام والهداية إلى الإسلام وشرع فيه إخراج صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ليستغنوا بها عن تكفف الناس في هذا اليوم العظيم، حيث قال: «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ»[6].

كما أن عيد الأضحى شرع لاستكمال مناسك حجهم، وشرع فيه تقريب القرابين من إراقة دماء الأضاحي والمناسك لله رب العالمين، وسُمي من أجل ذلك يوم النحر، لكون جميع المسلمين من أهل الأمصار والبوادي والحجاج والمقيمين كلهم يتقرّبون إلى الله فيه بإراقة دماء القرابين قائلين: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥ [الأنعام: 162-163]. وسمي يوم الحج الأكبر من أجل أن واجبات الحج تفعل فيه، من الوقوف بمزدلفة ثم الدفع إلى منى ثم رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف بالبيت الذي هو ركن الحج الأكبر، لهذا صار أفضل من عيد الفطر، وشرع في العيدين صلاة العيد المعروفة، إظهارًا لشكر بلوغ عيد الإسلام وللدعاء بقبول صالح الأعمال، كما شرع إظهار التجمل والزينة فيهما، والجهر بالتكبير في ليلتهما، وعند الخروج إليهما؛ إشهارًا لشرفهما وإكبارًا لأمرهما ﴿وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ [البقرة: 185]. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وقد أباح الشارع إظهار الفرح والسرور في العيدين، واستعمال اللعب المباح فلم يمنعهم من إظهار عوائدهم المباحة التي كانوا يعتادونها في أعيادهم زمن جاهليتهم من ضربهم بالدف ولعبهم بالحراب والسيوف، لما في البخاري عن عائشة قالت: «دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فجاء أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِى وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ!. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا يا أبا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»».

وكان يوم عيد لعب السودان فيه بالدرق والحراب وهو يقول: «دونَكُمْ يَا بَنِى أَرْفِدَةَ»[7]. وفي رواية قال: ««لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِى دِينِنَا سعة»، أو قال: «فُسْحَةً»»[8].

* * *

[6]رواه ابن عدي في الكامل وأعله بأبي معشر نجيح. أجاز الإمام أبو حنيفة إخراج القيمة في صدقة الفطر نظرًا لمصلحة الفقير متى كانت القيمة أنفع له، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والحكمة في مشروعية صدقة الفطر هو إغناء الفقير بها يوم العيد وقد أصبحت الأصناف من التمر والبر والشعير والزبيب والأقط لا تفيد الفقير غنى في كثير من البلدان، وأصبح الفقراء يسخطون قبولها ويمتنعون عن قبضها ويطلبون النقود بدلها، لكون النقود تعمل في الإغناء وسد الحاجة ما لا تعمله الأصناف المذكورة، ولكون هذه الأصناف ليست بقوت الكثير من الناس والشارع الحكيم إنما قصد بمشروعية صدقة الفطر هو إغناء الفقراء في خاصة يوم العيد، وقد راعى الشارع في إيجابها حال قدرة الناس وميسورهم لقول أبي سعيد: كنا نعطيها زمن النبي ﷺ صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب. متفق عليه. وفي روايـة: أو صاعًا من أقط. لأن هـذه الأصناف تعمل عملها في سد العوز بها زمن النبي ﷺ حتى إن الشعير هو ركن القوت في زمنهم والبر النقي يعد من النادر القليل، وقد توفي النبي ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين وسقًا من الشعير، وأما الآن فليس بطعام للناس، وإنما يطعم به بهائم الحيوان، وكذلك التمر كانوا يكتفون به قوتًا على انفراده، تقول عائشة: والله إنه ليمضي علينا الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيت من بيوت رسول الله نار. قلت: ما كنتم تتقوتون به؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. وقد أصبح الآن في كثير من البلدان لا يعتبره الفقير قوتًا، وكذلك الزبيب والأقط لا يعتمده الناس قوتًا، مع كونهما نادري الوجود ولم يفرض النبي ﷺ صدقة الفطر بالنقود لمشقة النقود عليهم وعدم رواجها في زمنهم، أما سمعت النبي ﷺ أعطى عروة البارقي دينارًا ليشتري له أضحية فاشترى له بالدينار أضحيتين، وكان النبي يأخذ بالبعير والبعيرين والثلاثة إلى إبل الصدقة، لعدم النقود في زمنه، أما الآن وفي هذا الزمان، فإن إخراج القيمة أنفع للفقير وأقوم بسد حاجته وحصول الغنى بها محقق في الأكل وتوابعه وفي اللباس وغيره، إذ هي صدقة وأفضل الصدقة أن تتصدق بما تحب ومن الطيب وسر الحكمة فيها أنها فرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» ولم يقصد الشارع حصر الوجوب في هذه الأصناف المنصوص عليها مع استغناء الناس ورغبتهم في غيرها. [7] متفق عليه من حديث عائشة. [8] أخرجه أحمد من حديث عائشة.