الأعياد عند الأمم
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين ونحمده ونشكره ونكبره أن جعلنا مسلمين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما بعد:
فإن كل من تأمل التواريخ الإسلامية وغير الإسلامية، يتبين له بطريق الوضوح والجلية أن سائر الأمم على اختلاف أطوارهم وأوطانهم وتباين مذاهبهم وأديانهم، كل أمة لها أعياد زمانية ومكانية يقدسونها ويقرّبون القرابين لمعبوداتهم فيها.
والأعياد على الإطلاق، إما أن تكون شرعية، وإما أن تكون بدعية، كما أن القرابين، إما أن تكون دينية، وإما أن تكون شركية، يقول الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ﴾ [الحج: 34]. قال ابن عباس: لكل أمة جعلنا منسكًا، أي عيدًا. وقال عكرمة: أي ذبحًا. والمعنى متقارب، يخبر سبحانه بأن الأعياد وذبح القرابين فيها لا يزال مشروعًا في سائر الأمم والملل، كما في الحديث، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا»[4]. وقوله: ﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ﴾، أي عند ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فمنهم من يذكر اسم الله عند الذبح، ومنهم من يذكر اسم الطواغيت والأصنام.
فلليهود أعياد يعظمونها ويقرّبون القرابين فيها، وللنصارى أعياد يعظمونها، أشهرها: عيد الميلاد وعيد الفصح، يظهرون فيها الفرح والسرور والمنكر والزور، وللعجم أعياد مشهورة كعيد المهرجان والنيروز، وكل هذه الأعياد تشتمل على الشرك والمنكر والزور وفنون من البدع والفجور، ولهذا ورد النهي عن الدخول عليهم في أعيادهم، فإن السخط ينزل عليهم.
أما العرب في جاهليتهم، فإن لهم أعيادًا يقدسونها ويقرّبون القرابين لآلهتهم فيها، كاللات والعزى ومناة وهبل، ويذبحون على قبور من يعظمونهم الإبل والبقر والغنم، ويفتخرون بذلك في أعيادهم وأشعارهم[5]، ولهذا أكثر القرآن الكريم من تحريم ما أهل به لغير الله، وما ذبح على النصب، وما لم يذكر اسم الله عليه، وفسره بعض العلماء بما أهل لغير الله، لأن هذه الأعمال الشركية هي الرائجة في أعيادهم وعوائدهم، ولمّا نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، سأل النبي ﷺ عن ذلك، «فقال: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ». قَالُوا: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ». رواه أبو داود من حديث ثابت بن الضحاك.
فبعد أن علم النبي ﷺ بطهارة الساحة المنذور عليها من عوائد الأعياد البدعية والأعمال الشركية أمره بأن يفي بنذره لتمحض هذا النذر في عمل البرّ.
* * *
[4] متفق عليه من حديث عائشة.
[5] كقول الشاعر:
فإذا عبرت بقبره فاعقر به
كوم الهجان وكل طرف سابحِ
وانضح جوانب قبره بدمائها
فلقد يكون أخا دمٍ وذبائحِ
هذا الشعر لأبي أمامة زياد بن الأعجم، رثى به المهلب بن أبي صفرة في قصيدة طويلة ذكر ابن خلكان طرفًا منها في تاريخه ج 2 - ص 145.