(15) مَحقُ التبايع بالحرام وسوء عاقبته
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتفيض الخيرات وتنزل البركات، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها النجاة والفوز بالجنات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات.
أما بعد:
فإن الله سبحانه خلق الإنسان وعلمه البيان، وجمَّله بالعقل وشرفه بالإيمان، وأوجد له جميع ما يحتاجه من المآكل والمشارب المباحة على اختلاف الأنواع والألوان. وقال: ﴿كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥ﴾ [سبأ: 15]. وقال: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ﴾ [طه:81]. فأمر الله عباده بأن يأكلوا من رزق ربهم ما يشتهونه من الأكل الحلال والمشروبات المباحة، وألا يطغوا فيه بأن يتناولوه من طريق الحرام.
فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بما يسخط الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.
وفي القرآن المنزل: ﴿وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥ﴾ [الطلاق:1]. وحدود الله محرماته كما في الحديث: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَّدَ حُدُودًا، فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا»[180] فمن اكتسب المال من حلِّه وأدى منه واجب حقه فنعم المعونة هو وبورك فيه، ومن اكتسبه من غير حله لم يُبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وهذا أمر محسوس يشهد به الواقع الملموس، فإن الذين يكتسبون المال من الطرق المحرمة كالخيانة والسرقة والرشوة والربا والقمار والمعاملة في المشروبات المحرمة، أو يتحايل على الناس في شراء الشيء ولا يؤدي إليهم ثمنه، أو يستأجر الأجير فيستوفي عمله ولا يؤدي أجرته، فمن فعل ذلك فقد عصى ربه وأذل نفسه وتسبب في نقص رزقه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وكسبه بمثابة الزَّبَد الذي يذهب جفاءً ويرجع إلى الوراء... ﴿يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِ﴾ [البقرة: 276].
فكل مال اكتُسب من ربا فهو حرام وعاقبته إلى قلته كما في حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، أو يَخْلُفُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ». رواه أحمد وغيره.
[180] أخرجه البيهقي في الكبرى من حديث أبي الدرداء.