متقدم

فهرس الكتاب

 

(13) منع تصوير شخصية الرسول ﷺ وكلامه وحركاته

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة من قال: ربي الله ثم استقام وأشهد أن محمدًا نبيه ورسوله سيد الأنام، اللهم صل على نبيك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.

أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ١٦٤ [آل عمران: 164].

فأخبر الله سبحانه بأنه امتن على عباده المؤمنين ببعثة هذا النبي الكريم ﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨ [التوبة: 128]. فبصر الناس من العمى وأنقذهم من الجاهلية، ويتلو عليهم آياته القرآنية ويفسرها لهم تفسيرًا يزكي به أخلاقهم ويطهر أعراقهم، فزكى أخلاقهم بالفرائض والفضائل وطهرها عن الشرك ومنكرات الأخلاق والرذائل؛ لأن الشرائع الدينية هي التي تزكي النفوس وتطهرها وتنشر في العالمين فخرها، وقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أي أن العرب قبل الإسلام وقبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام كانوا في شر وشقاء وضلالة عمياء يقتل بعضهم بعضًا ويسبي بعضهم نساء بعض، يقتلون أولادهم خشية الفقر ويئدون بناتهم خشية العار، فكانوا أشقى الناس عيشًا وأجوعهم بطونًا وأعراهم ظهورًا وأبينهم ضلالاً، وكانوا مضطهدين بين كسرى وقيصر، قد سادهم الغرباء في أرضهم وأذلهم الأجانب في عقر دارهم، لم يستقلوا استقلالاً تامًّا إلا بالإسلام وبعد بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، ولم تخشع لهم الأمم وتخشى صولتهم إلا بعد الإسلام وبعد بعثة محمد عليه الصلاة والسلام.

فالإسلام والعمل بالقرآن هو الذي نفخ في العرب روح العزة والقوة والنظام، فأنشأ العرب نشأة مستأنفة خرجوا بعدها من جزيرتهم والقرآن بأيديهم يفتحون به ويسودون ويدعون إلى اتباع أوامره واجتناب نواهيه، فهو السبب الأعظم الذي به نهضوا وفتحوا وسادوا وبلغوا المبالغ كلها من المجد والرقي فسرعان ما دخلت محبته في قلوب الخاص والعام حتى دخلوا في دين الله أفواجًا طائعين مختارين، فانتقلوا بهداية القرآن وبدعوة محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة والاختلاف إلى الوحدة والائتلاف، ومن الجفاء والغلظة والأمية إلى العلم والحضارة والمدنية، ومن القساوة والشدة إلى اللين والرحمة، واستبدلوا بأرواحهم الجافية الجاهلية أرواحًا سمحة جديدة دينية صيرتهم إلى ما صاروا إليه من عز ومنعة ومجد وعلم وعرفان.

وقد أنجز لهم الله ما وعدهم به في القرآن في قوله: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗا [النور: 55]. وصدق الله وعده ونصر عبده فكانوا هم ملوك الأمصار بعد أن كانوا عالة في القرى والقفار، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إن الله قد أعزكم بالإسلام ومهما طلبتم العز في غيره يذلكم الله[161].

وأنزل الله في يوم عرفة: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا [المائدة: 3].

إن المحبة الصحيحة الصادقة للرسول عليه الصلاة والسلام توجب اتباعه فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع، ولما ادعى أناس محبة الله ورسوله أنزل الله عليهم آية المحبة ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ [آل عمران: 31]. فدعوى محبة الرسول مع مخالفة أمره تعتبر محبة كاذبة بالحس والوجدان وبالسنة والقرآن، ومن ادعى ما ليس فيه ففضحته شواهد الامتحان.
لو كان حبك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
فمحبة الرسول مع انتهاك حرمته بتنقصه واستهانة كرامته بالتمثيل بشخصيته أو صوته أو حركته تعتبر محبة كاذبة؛ لأن قبح الجفاء ينافي الحفاء ولأن المحبة الطبيعية لا تغني عن المحبة الدينية شيئًا، فهذا أبو طالب عم رسول الله ﷺ كان يحب الرسول أشد الحب ويحميه وينصره ويعترف برسالته ولكنه لما لم يتبع رسول الله على دينه ولم يطعه في أمره فصار في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه؛ لأن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ولما قال النبي ﷺ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»[162] أنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ [التوبة: 113]. وقد كتب الله رحمته للذين يتبعون رسول الله في أمره ويجتنبون نهيه فقال تعالى: ﴿... وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِ‍َٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ ١٥٦ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا [الأعراف: 156-158].

إن بعض الناس في هذا الزمان يتسمون بالإسلام ويدعون محبة الرسول عليه الصلاة والسلام لكنهم يعملون عمل من يبغض الرسول ويعملون عملهم في إسقاط عظمته وحرمته وكرامته من القلوب، من ذلك ما سمعناه في هذه الأيام من الخبر المسيء لكل مؤمن غيور وذلك من إعلان بعض الشركات السينمائية عن عزمها على إنتاج فيلم سينمائي عن النبي ﷺ وحياته وتعاليمه، وكان منشأ هذه الفكرة ومبدأ هذه العزيمة هو من القوم الذين اتخذوا دينهم هزوًا ولعبًا وغرتهم الحياة الدنيا، فهم يحاولون التكسب بعرض صورة الرسول وحياته في السينما ولا يبالون بما يترتب عليها من فساد أخلاق الناظرين من سائر العالمين، وما يترتب عليها من ضرر الدنيا والدين والتهجم على رسول رب العالمين.

وهذا العمل بهذه الصفة يعتبر من باب فتح الفتنة على الدين وعلى رسول رب العالمين؛ إذ الكذب على رسول الله ﷺ ليس كالكذب على غيره، وهذا الفيلم هو صريح في محض الكذب على رسول الله، فإنهم لم يروا شخص رسول الله ولم يسمعوا كلامه ولم يروا حركاته وتصرفاته، فكل ما صوروه عنه من هذا القبيل فإنه كذب محض مناف للدين طبق ما نهى عنه رسول رب العالمين.

واليهود والنصارى والمشركون الوثنيون يحترمون الخوض في هذا الموضوع قداسة للرسول وكرامة لأمته، فلا يذكر عن هؤلاء أنهم مثلوا بصورته لكنهم متى بلغهم أن المسلمين أنفسهم قد فتحوا هذا الباب وأخذوا يمثلون بصورة نبيهم وحركاته وتعاليمه في السينما فإن أعداء الإسلام حينئذ سيدخلون من هذا الباب ويستبيحون هتك هذا الحجاب فيزيدون بكل ما يشتهون والبادئ بالشر أظلم، وإلا فكيف يسوغ للمسلمين أن يبدأوا بفتح هذا الباب لأقوام لا غرض لهم إلا محض التكسب بعرض صورة حياة رسول الله ﷺ وأفعاله وصوته وحركاته فيدخلونها في ضمن الألعاب السحرية التي تعبث بالعقول وتوقع في الفضول ويزيدون عليها ما يشاؤون ويشتهون.

فدعوى المخترعين لتمثيل قصصه عليه الصلاة والسلام في تبرير استباحة عملهم بأنه درس وعظ ديني مؤثر فإنه باطل وتدليس وتلبيس على الناس، فليس الأمر كذلك بل الصحيح أنها توضع وضعًا مزريًا مما يحط قدره وعظمته في نفوس الناس فليست بوعظ مؤثر أبدًا.

وجمهور المسلمين من العلماء والعوام في سائر أنحاء العالم يعدون تمثيل النبي محمد عليه الصلاة والسلام إهانة له ومزريًا بقدره وقداسته وكرامته، وكذا تمثيل سائر الأنبياء، ولا عبرة بشذوذ بعض القائلين بالجواز لزعمهم أن تمثيل الأنبياء ليس بإهانة لهم ولا مزريًا بأقدارهم، فإن هؤلاء يعتبرون من الأفراد القلائل الذين غلبت عليهم التقاليد الأجنبية بكثرة عرض أفلامها على مناظرهم حتى أزالت عن عقولهم التمييز بين الحق والباطل والنافع والضار وحتى صاروا يفضلون هذه العادات السيئة على الآداب الإسلامية.

إنه متى كان الملوك والأمراء وكبار العلماء من أهل الدين لا يسمحون لأحد أن يمثل بأشخاصهم وأصواتهم وحركاتهم ويعدون ذلك زراية وسخرية بهم وحطًّا من أقدارهم ويعاقبون من فعله، فما بالك بتمثيل شخصية الرسول أو أحد من الأنبياء والتمثيل بصوته وحركته، أليس أحق أن يحترم ويمنع منه لأنه يحط من قداسة قدره في أنفس العوام وعلى طول الزمان يضعف الإيمان به فلا يؤمنون إلا بما يشاهدونه من صورته المكذوبة، لكون الممثلين إذا أرادوا أن يمثلوا أحدًا من الأنبياء كإبراهيم ويوسف ومحمد عليهم الصلاة والسلام عمدوا إلى رجل من جفاة الأعراب وافر الشعر كث اللحية فأوقفوه ليأخذوا صورته، ثم خاطبوه بالرسالة قائلين: يا رسول الله ما قولك في كذا وكذا فيقول: كذا وكذا، ولا يزالون يرددون عرض هذا التمثيل على مناظر الناس وأسماعهم حتى تزول بذلك عظمتهم وهيبتهم من القلوب، والرسول بشر ميزه الله بالرسالة وألقى الله عليه الهيبة والجلال والجمال وأن كل من رآه هابه وكل من رآه أحبه. كما قال عبد الله بن سلام: لما قدم النبي المدينة ورأيت وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب[163]. فتمثيل شخصيته تغيير في حالته وعظمته وهيبته يؤدي إلى إسقاط حرمته وكرامته، فهي إلى المهانة أقرب منها إلى المهابة لأنها كذب محض في مبناها ومعناها، والنبي ﷺ قال: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار». رواه البخاري ومسلم وغيرهما من رواية سعيد بن زيد[164].

فدعوى المنتجين لهذا الفيلم بأن الرسول عليه السلام وأهل بيته لن يظهروا لا صوتًا ولا صورة فهذا قول منهم ولا يلزم أن يتقيدوا به دائمًا، ولا أن يتقيد به غيرهم متى كان الباب مفتوحًا والمجال مفسوحًا، ومن العادة أن كل مشروع يشتمل على أمر محرم كهذا بحيث تشمئز منه نفوس الناس وتنكره قلوبهم فإنهم يلطفونه في ابتدائه بما يستدعي قبوله وعدم النفرة منه بأنواع من التلبيس والتدليس بالحق ثم يتدرج من سيئ إلى أسوأ حتى ينتهي إلى غايته في الشر، وملاك الأمر خواتمه. وأما قولهم بأنه صدر في إباحته فتوى من بعض العلماء فلا يبعد وقوع هذه الفتوى، وما كل فتوى تستحق القبول والعمل بها، وما كل من أمسك الكتاب حكيم، وكم كلمة قالت لصاحبها: دعني.
وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
وقد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة يغرق بغرقها الخلق الكثير، وأكثر ما يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلين، وأخبر النبي ﷺ أن الناس في آخر الزمان تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، ومن نوع هذه الأهواء ما نحن بصدد الكلام في موضوعه والذي نستبعد وقوعه من العرب المسلمين في نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ [الأعراف: 157].

لقد أنكر جميع علماء المسلمين هذا العمل وأيدوا بشاعته ووجوب منعه ونهوا عنه أشد النهي، وحذروا من التطرق من جهة هذا الجسر الذي يفضي إلى الأخطار الدينية الجسيمة التي تنجم عن هذا المشروع قائلين: إننا نحن المسلمين متى تساهلنا بفتح هذا الباب لتصوير شخصية محمد رسول الله ﷺ في الأفلام السينمائية فلن نستطيع سده بعد اليوم على غير المسلمين، وستعمل الشركات الأجنبية عملها في بلاد العالم في إنتاج أفلام سينمائية كثيرة عن حياة الرسول، وإن الشركات السينمائية لن تقف في أفلامها عند حدود التعظيم والتقديس لشخصية الرسول بل سوف تنتج على ذوقها وحسب رغباتها التجارية وبدافع من اليهود أفلامًا تتخيرها من القصص الكاذبة التي افتراها اليهود والمشركون وغيرهم من أعداء الإسلام على النبي ﷺ في حياته الخاصة وحياته السياسية، وإن الدول الأجنبية لا تسمح أبدًا للشركات السينمائية في إخراج أفلام عن شخصية محمد رسول الله احترامًا منها لمشاعر المسلمين في العالم وحفاظًا على حسن علاقاتها مع الدول الإسلامية.

أما إذا فتحنا نحن المسلمين هذا الباب بأنفسنا فإننا لا نستطيع بعد ذلك مطالبة الدول الأجنبية بمنع الشركات السينمائية في بلادها من إخراج أفلام أخرى، ويفتح الباب على مصراعيه للمفتريات والأكاذيب على الرسول، ويصبح الجدل عقيمًا حول صحة ذلك أو عدم صحته، وإن الوسيلة الوحيدة لحماية كرامة رسول الله عن هذه المفتريات والإسرائيليات هي أن نسد نحن المسلمين باب هذه الفتنة سدًّا للذريعة ونمتنع عن إخراج فيلم سينمائي عن شخصية النبي ﷺ، وإذا لم نفعل فسوف يؤدي فتح هذا الباب إلى كوارث وفتن عمياء، وعلى كل مسلم وخاصة العلماء فرض لازم من قول الحق، والأمر بالخير والنهي عن الشر، وإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

نسأل الله الهدى والسداد ونعوذ بالله من منكرات الأخلاق والأقوال والأفعال، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

حرر في 12 شعبان سنة 1396هـ.

* * *

[161] أخرجه ابن المبارك في الزهد عن طارق بن شهاب. [162] متفق عليه من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه. [163] أخرجه ابن ماجه والترمذي من حديث عبدالله بن سلام. [164] ومثله القرآن الكريم فإنه نزل بلسان عربي مبين، فلو حاول أحد أن يغيره عن لغته لزالت بلاغته وذهبت عظمته وتغيرت أحكامه وحكمته وزال عن صفة كونه قرآنًا، لأن ترجمته بأي لغة من اللغات الأجنبية توقعه في التشويه والتشويش، ولا يمكن لأحد أن يأتي في الترجمة بمثل لغته وبلاغته، فلا تسمى ترجمته قرآنًا بإجماع علماء الإسلام، بل إنها تبتعد كل البعد عن معاني القرآن. وكذا تصوير شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تبعد عن صفته وعن جلاله وجميل خلقته.