متقدم

فهرس الكتاب

 

حكم ذبيحة الكافر

وأقول: لقد قلت بهذا ولا أعتذر، فمالي أراكم عنها معرضين؟! فوالله لأرمين بها بين أكتافكم، وهذه المسألة من جملة المسائل التي غفل عنها العلماء المتقدمون وتبعهم على غفلتهم عنها علماء هذا العصر.

وإن الحلال هو ما أحله الله ورسوله، والحرام هو ما حرمه الله ورسوله، وما سكت عنه فهو عفو. ولم يثبت عندنا في كتاب الله ولا في سنة رسوله تحريم ذبائح الكفار.

وما يشعرني أن سكوت القرآن والسنة عن تحريمها هو رحمة من الله لعباده مع عظم البلوى بكثرة اختلاط المسلمين بسائر أمم الكافرين.

وقد قال أحد العلماء في محاضرة له: إن الكافر لا يحق له أن يذبح ولا أن يأكل. وهي غلطة سامحه الله عليها، فإن الذبح وأكل المذبوح هو من أُمور الدنيا التي يشترك فيها المسلم والكافر والبر والفاجر، يقول الله تعالى: ﴿كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا ٢٠ [الإسراء: 20].

فالذبح هو من العادات لا من العبادات إلا إذا قصد به العبادة كذبح النسك والأضحية والعقيقة والمنذورة لله. أما إذا قصد به الشرك كالذبح للصنم أو للجن أو للقبر أو الزار فإنه شرك حرام ذبحه وأكله وبيعه.

أما إذا كان الذبح للأكل أو البيع فإنه من العادات وأمور الدنيا التي يشترك فيها جميع الناس برهم وفاجرهم ومسلمهم وكافرهم، أشبه بأكل الثمار وشرب الألبان وسائر ما يتنعم به الناس من أُمور الدنيا، يقول الله تعالى: ﴿وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٥ [النحل: 5]. والخطاب لجميع الناس، وهذا الامتنان بها عام لجميعهم، ولم يبح الأكل إلا وهو مستلزم لإباحة الذبح من مسلم وكافر، نظيره قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ٢١ [المؤمنون: 21]. والخطاب لجميع الناس، وقال: ﴿وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗا [الأنعام: 142]. فالحمولة هو ما يحمل عليه، والفرش هو ما يؤكل.

وهذا واضح جلي لا مجال للشك فيه، غير أن الشبهة التي علقت بالناس هو أن الصحابة لما كانوا في جاهليتهم يذبحون للأصنام بكثرة ويذبحون على قبور موتاهم حتى يقول أحد الشعراء:
وإذا مررت بقبره فاعقر به
كوم الهجان وكل طرف سابح
فلما كانت هذه الأعمال الشركية سائدة بين الصحابة زمن الجاهلية، فبعد أن أسلموا اشتد بغضهم للشرك والمشركين، فكانوا كلما قُدِّمَ لهم ذبحٌ من أحد المشركين تورعوا عنه لظنهم أنه مما أهل به لغير الله، هذا هو أصل تعففهم عن ذبائح الكفار.