متقدم

فهرس الكتاب

 

حق الرسول على أمته

إن معنى شهادة أن محمدًا رسول الله هي طاعة الرسول ﷺ فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرع لا بمجرد الاستحسان والبدع وأن يكثروا من الصلاة والتسليم عليه في كل حالاتهم وسائر أوقاتهم، فإن الصلاة عليه هي من أفضل القربات وأجل الطاعات، ومن صلى عليه مرة، صلى الله عليه بها عشرًا، والصلاة عليه هي دعاء له من أمته، فقد أمر رسول الله ﷺ بأن نكثر من الصلاة عليه في الصلاة وخارج الصلاة، فنقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد. وفي مذهب الإمام أحمد بن حنبل: أن الصلاة عليه ركن لا تصح الصلاة بدونه وعند الأئمة الثلاثة أنها مستحبة وليست بواجبة.

كما أمرنا أن نصلي عليه بعد إجابة المؤذن، وأن نسأل له الوسيلة، فقال: «إِذَا سَمِعْتُمْ اَلنِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»[72]. وعن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

فالرسول ﷺ أمر أمته بأن يدعوا له مع دعائهم ولا يدعوه من دون الله أبدًا، بل يخلصوا دعاءهم كله لربهم حرصًا منه على قطع مادة دعائه أو التوسل به؛ لأن الذي يُدعَى له لا يُدعَى من دون الله، ثم لنعلم أن من يصلي ويسلم على رسول الله ﷺ وهو بأقصى مشارق الأرض ومغاربها ومن يصلي ويسلم عليه عند حافة قبره أنهما في التبليغ سواء؛ لأن الله قد وكل ملائكة يبلغونه كل من صلى عليه من أمته، فهذا التزاحم عند قبره لا معنى له، إذ التبليغ حاصل من دونه. وروى أبو داود بسند جيد، عن أبي هريرة، قال رسول الله ﷺ: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ».

وعن عليّ بن الحسين رضي الله عنه وعن أبيه وجده أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته عن أبي عن جدي رسول الله ﷺ أنه قال: «لَا تَتَّخِذُوْا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ عليَّ يَبْلُغُنِي أين كُنْتُمْ».

فنحن نشهد بالله، لقد نصح رسول الله ﷺ أمته وأدى أمانته وأن الحج صحيح بدون زيارة قبره، وأما حديث «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي»[73]، فقد اتفق علماء الحديث على أنه مكذوب على رسول الله ﷺ، وهو ينافي قوله: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا» - أي تعتادون مجيئه- «وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي أَيْنَ كُنْتُمْ». وقال: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ»[74] أن يُتضرع إليه ويُسأل كأن يقول: يا محمد اشفع لي ونحو ذلك من وسائل التوسل به.

وعن جبير بن مطعم، قال: جاء رجل من الأعراب إلى النبي ﷺ فقال: إنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال رسول الله: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ» فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: «إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ»[75].

وقال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ»[76].

وفي البخاري و مسلم، أن النبي ﷺ قال: «لَا تُطْرُوْنِي كَمَا أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُوْلُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والثناء.

فقد بلغ ونصح وحذر وأنذر، والحمد لله رب العالمين وسلام على عباده المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* * *

[72] أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. [73] أخرجه ابن حبان في الضعفاء، وابن الجوزي في الموضوعات، وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة. [74] أخرجه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار. [75] أخرجه أبو داود من حديث جبير بن مطعم. [76] أخرجه النسائي من حديث ابن عباس.